رأي

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب إلى قواتنا المسلحة في يوم عيدها

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب
إلى قواتنا المسلحة في يوم عيدها
يعتبر الجيش السوداني أحد الجيوش الموروثة عن السلطات الاستعمارية كما هو الحال في مصر وباكستان وسوريا والعراق قبل حل جيشه بواسطة بول بريمر الحاكم العام الأمريكي.وهو كذلك لم يتكون من مجموعة جيوش التحرير مثلما في الجزائر واندونيسيا وليس من الجيوش التي شكلت بعد استقلال الدول كما هو الحال في العديد من الاقطار الأفريقية، أو جيش تكون من مجموعات متمردة سابقة على أنقاض جيش إنهار تحت ضرباتها كما هو الحال في يوغندا وتشاد واثيوبيا، فقد تأسست قوة دفاع السودان تحت القيادة الإنجليزية المباشرة في 25 مايو 1925 بعد اغتيال السير لي استاك سردار الجيش المصري بالقاهرة في نهاية نوفمبر 1924 واستمر المحتل الإنجليزي في تدريب وتأهيل قوة دفاع السودان حتى تمت السودنة في الرابع عشر من اغسطس 1954 حيث تسلم اللواء احمد محمد باشا القيادة من اللواء سكونز باشا آخر قائد عام بريطاني.
تاريخياً أبلى جيشنا بلاءاً حسناً في الحرب العالمية الثانية ولعب دوراً مهماً في دحر الايطاليين من ارتريا فحرروا كرن ومصوع واسمرة وقوندر ومناطق أخرى، حيث قامت القوات السودانية رغم قلة أفرادها وضعف تسليحها بأعمال بطولية وشجاعة مكنتها من تحقيق انتصارات عديدة على القوات الايطالية وأبطلت فكرة امبراطورية موسوليني، وقد منح قائد القوة ميدالية الحرب العالمية الثانية وذلك كأول سوداني يتقلدها، كان هذا دورها في معارك شرق إفريقيا، ثم قامت بنفس هذا الدور في معارك شمال إفريقيا، وبينما كانت القوات السودانية تعمل منفردة في معارك شرق إفريقيا مما أبرز دورها الفاعل، إلا إنها في معارك شمال إفريقيا تم حصرها في قوات الشرق الأوسط وعملت وفق قيادة الجيش الثامن.
وقد لخص (دون كان) دور القوات السودانية في معارك شرق شمال إفريقيا بقوله 🙁 آثار الحرب العالمية الثانية كانت أعمق في إفريقيا، وأن إفريقيا أصبحت مدينة بحصولها على حريتها للجيش السوداني). كما وصف جاكس دور القوات السودانية في تلك المعارك بقوله: ( خلال هذه المعارك قاتلت قوة دفاع السودان بشهامة وشجاعة بالرغم من التفوق العددي والتفوق في الأسلحة والمعدات التي كان يتمتع بها الجيش الايطالي).
وقد جسدت تلك الانتصارات في العديد من الأغاني الوطنية التي تغنت بها فنانات مثل عائشة الفلاتية كما في اغنية (يجو عايدين الفتحوا كرن باينين )، وقد كان هنالك وعداً من بريطانيا أنه في حال مشاركة قوات دفاع السودان مشاركة فعالة في تلك الحرب فإنها سوف تمنح السودان حق تقرير المصير، وقبلها كانت قوة دفاع السودان إحدى فصائل الحركة الوطنية منذ ثورة 1924م، والتي أبلى فيها البطل عبد الفضيل الماظ وصحبه خير البلاء وقد كان البطل علي عبد اللطيف رئيس جمعية اللواء الابيض هو أحد ضباط القوات المسلحة .
وعربياً كان للقوات المسلحة دوراً في حفظ السلام ضمن قوات الردع العربية في الكويت ولبنان ما بين 1961-1963، حيث شاركت أيضاً كوكبة من القوات المسلحة ضمن كتيبة مع مجاميع القوة العربية بقرار من الجامعة العربية، وذلك بسبب تهديد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في ستينيات القرن الماضي بغزو الكويت، حيث نشرت في تلك الفترة 3 كتائب قوامها الجيش السوداني ضمن قوة الردع العربية.
وفي الأعوام 1976 و1977 و1978 شاركت ثلة من سلاح المظلات في لبنان خلال الحرب الأهلية ضمن قوة الأمة العربية التي تغير اسمها فيما بعد لقوة الردع العربية وكان من مهامها حفظ السلام في المدن اللبنانية بين الفصائل المتناحرة، إضافة لتوفير الحراسة لمطار العاصمة بيروت والهيئات الدبلوماسية كالسفارة السودانية والمصرية.
كما خاضت كل الحروب العربية الاسرائيلية فشاركت في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973 من أجل تحرير سيناء والجولان، حيث ساهمت بلواء مشاة وكتيبة قوات خاصة من أجل إسناد القوات المصرية لعبور خط بارليف حيث عبرت القناة إلى جانب القوات المصرية.
إن مشاركة قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر لم تبدأ في أيام الحرب ذاتها، فقبل الحرب كان هناك وجود للقوات السودانية على خط القناة في حالة استعداد تام وقد شاركت في حرب الاستنزاف والحفاظ على ضفة القناة وقد يسر الله لي أن رأيت أماكن تمركز تلك القوات في احدى زياراتي لمدينة السويس بصحبة الراحل الفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم وهو يحكي لنا ذكرياته هناك. كما حاربت قواتنا إلى جانب القوات السورية في جبهة القنيطرة .
إن تلك الحرب قد خاض غمارها العديد من القادة الذين أصبحوا لاحقاً ضباطاً كباراً في القوات المسلحة والحكومة السودانية في فترات مختلفة، ومن هؤلاء الرئيس السابق المشير عمر البشير والراحل الفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم وزير الدفاع والوالي والسفير الأسبق وآخرين، وحينها كانت الكلية الحربية السودانية هي البديل للكلية الحربية المصرية، في الوقت الذي احتضنت قاعدة وادي سيدنا الجوية الطائرات الحربية المصرية. وعلى الصعيد الدولي لعبت القوات المسلحة دوراً عظيماً في حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة في الكونغو وجزر القمر حيث شاركت في عملية إعادة توحيد تلك الدولة باستعادة جزيرة انجوان وتسليمها لحكومة جزر القمر عام 2008، بالإضافة إلى دورها في إطار قوات شرق أفريقيا وجامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقي.
وقد ظل جيشنا أحد الجيوش الأفريقية المتميزة من خلال خبراته وتماسكه، حيث استمر في حالة عمليات حربية داخلية ضد حركات متمردة منذ العام 1955 وإلى يومنا هذا، باستثناء سنوات اتفاقية أديس أبابا 1972- 1983م والتي تخللتها تمردات وحوادث متقطعة، ويمكن القول إن قواتنا المسلحة خاضت حروباً داخلية وخارجية في جبهة حرب ربما تقارب الحرب العالمية الثانية، حيث امتدت من أقصى الشمال الشرقي في حلايب مروراً بكل حدونا جنوباً وغرباً حتى المثلث الحدودي بيننا و ليبيا ومصر ،وهذا يؤكد أنه ليس هناك استثناء لحدود لم تشهد حرباً قبل وبعد انفصال جنوب السودان حيث ظلت تدافع عن تلك الحدود بكل بسالة واقتدار ولولا ذلك الدور لما كان لنا وطن اسمه السودان، فالتحية لقواتنا المسلحة في يوم عيدها مع كل الأمنيات بدوام الانتصارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق