رأي

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(3-5)

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب
مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(3-5)

يمكن القول إن من نتائج المعونة الأمريكية تغيير الثقافة الغذائية وفيما سبق تناولنا تأثيرات معونة القمح عبر ذلك التسلسل وربطناها بالثقافة الغذائية لمجتمعنا وسنجد أننا كنا نعتمد على الغذاء التقليدي متمثلاً في العصيدة والكسرة في غرب ووسط وجنوب السودان والقراصة والعصيدة في الشمال الأوسط ورغيف الخبز البلدي في الشمال الأقصى، وكل إدام يدور حول استخدام تلك الأنواع من المخبوزات وقد كانت الأطعمة التي وفدت إلى موائدنا اليوم تسمى بالطبائخ التركية لان الأتراك هم من أدخلوها إلى السودان.
تغيرت ثقافتنا الغذائية إذن ولم تعد ثابتة كما لدى الشعوب الأخرى التي ذاقت ويلات التدخل الخارجي والاستعمار مثلنا فشعوب شرق آسيا جميعها تعتمد على الأرز في غذاءها، وقد شهدت بنفسي كيف ألزموا جامعة سودانية مثل جامعة أفريقيا العالمية أن تجعل وجباتهم جميعها بالأرز ، وقد كنت مستغرباً في كيفية أكل الأرز بذات أنواع الإدام التي نأكل بها نحن رغيف الخبز بعد أن تخلينا عن مخبوزاتنا التي سبقت الإشارة إليها، ابتلعنا الطعم فأصبحنا فريسة سهلة للابتزاز وتخلينا عن ثقافتنا التي كان علينا أن نفتخر بها فأصبحنا ندعى التحضر بإتباع ثقافات الآخرين وتناسينا أن التقليد هو تحية الجهل للعبقرية ولعل هذا قد انطبق على جميع نظمنا فكيف لنا أن نحافظ على ذاتنا دعك من أن نتفوق والتقليد أحياناً يكون بلا تدبر ولا تفكر فحتى طريقة تناول الأكل أخذناها من الآخرين الذين يدعون أنهم قد علمونا الحضارة ونحن نستخدم الشوكة والسكين بيدنا اليسرى وقد أمرنا ألا نأكل بتلك اليد منذ أن دخلنا الخلاوى أو رياض الأطفال وحفظنا حديث آداب الأكل ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) ،واليوم استغرب جداً لشخص راشد يشرب الماء أو يأكل بيده اليسرى، وتمتد دروب التقليد بنا من الشوكة إلى السلاح الذي ندافع به عن أنفسنا ضد أعدائنا فهو جله من صنع الغرب الذي يرينا أيضاً طريقة استعماله بذات رمزيته الثقافية، وحتى تحية الشرف عند جيشنا والمعروفة بسلام سلاح هي عبارة عن التثليث نفسه ولكنا نقوم به معصوبي العقول قبل العينين.
نعم تغيرت ثقافتنا الغذائية ففقدنا قرارنا لأننا لا نملك قوتنا وأهملنا إنتاج محاصيل لنا فيها المميزات والريادة وأصبحنا نستورد غذاءنا جاهزاً نشتريه بإراقة ماء الوجه وتجفيف مصادر الدخل لنثقل بالديون التي ظلت على أعناقنا ماثلة وتزيد مع فجر كل يوم جديد.
غريب جداً أمرنا كما قال هتلر في كتابه كفاحي 🙁 هناك حقائق تطوف الأسواق ليل نهار، ولأنها تطوف الأسواق تمر بها عامة الناس دون أن تبصرها ولا تعرفها، وعامة الناس تتعامى في الغالب عن رؤية الحقائق الصارخة، ويتملكها العجب إذا اكتشف أحد الناس ما يفترض في الجميع معرفته).

ومن نتائج ذلك أيضا مشكلة إفقار الريف وتريف المدن، فالمعروف عالمياً أن الريف أغنى من المدن من حيث الإنتاج ولذلك ظل في كثير من الدول موئلاً للأغنياء بينما كانت المدن الكبيرة ولا تزال موطناً لأصحاب الدخول القليلة والعاملين بأجر في قطاعات السلع والخدمات، والناظر إلى الريف السوداني سيجد أنه كان إلى عهد قريب منتج لكل خيراته ولا يستورد من المدينة إلا السلع المصنعة وهي نفسها لم يكن استهلاكها شائعاً بشدة وقد ظلت الشاحنات التجارية تتجه صوب الأرياف لتوزع بضائعها وتنظر لحين بيعها بواسطة تجار الجملة أو التجزئة لتعود الشاحنات مرة أخرى ببضاعة جديدة وتأخذ معها أثمان ما تم بيعه في المرة الماضية- يتبع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق