رأي
بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب : كرري إبادة جماعية وجريمة بلا عقاب(1-3)
بروفيسور إبراهيم محمد آدم
يكتب : كرري إبادة جماعية وجريمة بلا عقاب(1-3)
تمر علينا هذه الأيام ذكرى معركة كرري التاريخية الحاسمة بتاريخ 2 سبتمبر 1898 او ” The Battle of Omdurman” كما درجت أدبيات المؤرخين الغربيين على تسميتها، أن تلك المعركة التي قتل فيها أكثر من ثلاثين ألف جندي سوداني وهم يدافعون عن بلادهم في وجه الغزاة وقد كان من بين هؤلاء عشرين ألفاً تم قتلهم وهم أسرى وجرحي بعد نهاية المعركة في تجاوز صريح لكل الشرائع السماوية والقوانين الانسانية.
إن الدول الغربية التي تدعي الحضارة والإنسانية قد ارتبطت بالآف الجرائم ضد الوطنيين في البلاد التي احتلتها، وبعد ان اقتتلت كثيراً فيما بينها لاحقاً دفاعاً عن اطماعها التوسعية بنهاية الحرب العالمية الثانية وبعد أن ادركت الدول الاوربية ويلات الحروب ومراراتها ومآسيها حاولت وقفها كما جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ( نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية).
تلك المقدمة اذن تمكننا من أن نصف ما حدث في كرري بالإبادة الجماعية حيث إن مصطلح “الإبادة الجماعية”، لم يكن موجودًا قبل عام 1944، لأن الدول الغربية تريد بذلك التعريف فتح صفحة جديدة لا تشمل تلك الحروب التي خاضتها، بل لتحاكم بها من يرتكب جريمة بعد ذلك التاريخ بعدما ظنت أنها أصبحت في مأمن من المساءلة عن تلك الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ،أن ذلك المفهوم هو مصطلح ذو مدلول خاص جدا، حيث يشير إلى جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحق مجموعات من الأشخاص بما يتنافى مع حقوق الإنسان، كما هو مبين في قوانين الحريات في الولايات المتحدة الأمريكية أو في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام1948، هو إذن مفهوم يتعلق بحقوق الأفراد.
ففي عام 1944، سعى محام يهودي بولندي يدعى “رافائيل ليمكين” (1900-1959) إلى وضع وصف للسياسات النازية للقتل وقام بتشكيل مصطلح “الإبادة الجماعية”(genocide) عن طريق الجمع بين كلمة “جماعي- geno) ) اليونانية والتي تعني سلالة أو قبيلة، مع كلمة “الإبادة”(cide-) اللاتنية التي تعني القتل. وحينما كان يقوم بصياغة هذا المصطلح الجديد، كان ليمكين يضع في اعتباره مفهوم “وضع خطة منظمة تتألف من إجراءات مختلفة تهدف إلى تدمير الأساسيات الضرورية لحياة مجموعات قومية، بالإضافة إلى إبادة المجموعات نفسها.” وفي العام التالي، وجهت المحكمة العسكرية الدولية في مدينة “نورمبرخ” بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية بناء على ذلك التوصيف الجديد.
وبالعودة الى معركة كرري فإنها وقعت بين قوات المهدية والقوات البريطانية مع مساندة قوات مصرية في كرري شمال أم درمان عاصمة الدولة المهدية، بعد أن استقر رأي مجلس حرب الخليفة على مهاجمة القوات نهاراً ، كان قوام قوات المهدية 60 ألف جندي وتعداد الجيش الانجليزي المصري حوالي 30 ألف جندي أنجليزي ومصري وسوداني مسلحين بالمدافع الرشاشة الأوتوماتكية الحديثة وعددها 44 مدفع ميدان، و20 مدفع ماكينة على الارض ، 36 مدفعاً على الزوراق الحربية تدعمهم البواخر الحربية، وقد كانت أكبر قوة وضعت في افريقيا في ذلك الوقت .
وعلى ذكر مشاركة السودانيين في تلك الحملة وقوفاً مع الغزاة ضد بني جلدتهم، ربما نكاية في الخليفة عبد الله والدولة المهدية، يجب علينا عدم التفكير في اخفاء تاريخنا الدموي وثاراتنا القبلية القديمة، وكأنها علاقات تلك المجموعات كانت ( تاريخاً ناصعاً نقياً ) وأن الحروب الحالية أمر طارئ والاستعانة بالأجنبي ما هي إلا حالة عابرة مستحدثة، وأن علينا أن نعيد تلك العلاقات سيرتها الاولى، وهل كانت سيرتها الاولى الا حروباً وخيانة ودماء، علينا أن ندرك أن غالب مشاكلنا الراهنة لها جذور تاريخية، كما علينا أن نأخذ منها الدروس والعبر ، فقد أصبحت الخيانة هذه الأيام وسيلة للتباهي .يتبع