رأي

عبدالقادر على الحيمي يكتب …. هل ستستخدم الولايات المتحدة نفوذها لوقف الحرب فى التقراى ؟

عبدالقادر على الحيمي يكتب ….
هل ستستخدم الولايات المتحدة نفوذها لوقف الحرب فى التقراى ؟

هناك فرصة حقيقية لوقف الحرب فى التقراى بشمال اثيوبيا واحلال السلام،وذلك عبر المفاوضات الحالية المباشرة التى بدات امس الثلاثاء فى جوهانسبيرج بجنوب افريقيا بين الوفد الحكومى الاثيوبى ووفد الجبهة الشعبية لتحرير التقراى وحكومتها ( الويانى ) والتى يقودها الاتحاد الافريقي.
انجاح المفاوضات بين طرفى النزاع يعتمد كثيرا على مدى استعداد وجهود وسطاء الاتحاد الافريقي وشركائه الدوليين خاصة الولايات المتحدة.

ففى خلال الاسبوع الماضى تغير مسار الجهود الدبلوماسية المتعلقة بوقف الحرب خلال اجتماعات متتالية يوم الجمعة الماضى ، اولا فى مجلس السلم والامن الافريقي ” PSC” التابع للاتحاد الافريقي فى اديس ابابا. وتواصل تبدل الجهود الدبلوماسية فى مجلس الامن التابع للامم المتحدة حيث اكتشف القادة الافارقة تبدل بالحاح فى مبادىء الجهود الدبلوماسية.

بينما فى غضون ذلك اظهرت اثيوبيا نفوذها عبر الضغط على روسيا والصين وحصلت على دعمهما فى مجلس الامن لمنع المجلس فى تبنى مشروع الاعضاء الافارقة بقيادة ” الجابون ، كينيا غانا”.

لكن فيما يبدو ان نجاح ابى احمد فى السيطرة على الجهود الدبلوماسية وتجييرها لمصلحته ، قد “اعمته” عن نقاط ضعفه.

وهو ما ظهر فى وقت سابق من اكتوبر الحالى ابتدأ رئيس مفوضية الاتحاد الافريقى ” موسى فكى” بالعمل جنبا الى جنب مع ابى احمد فى مؤامرة واضحة ومكشوفة للترتيب لجولة مفاوضات بين الحكومة الاثيوبية والتقراى وفق جدول زمنى وجدول اعمال مصمم لمباركة العمل العسكرى المشترك للجيشان الاثيوبى والارتري بحيث تبدا المفاوضات بالتزامن مع دخول الجيشان مغلى وفرض الامر الواقع على التقراى فى المفاوضات المقررة يوم 24 اكتوبر ، لكن خطة المؤامرة لم تنجح وانكشفت وانقلبت على مخططيها. وهو الامر الذى دفع الرئيس الكيني السابق ” اوهورو كينياتا” بكتابة رد لاذع قوى اللهجة طلب فيه ايقاف المشاورات واصر على ان يكون البند الاول فى جدول الاعمال وقف اطلاق النار .
يوم الجمعة الماضى عقد مجلس السلم والامن الافريقى اجتماعا وللمرة الاولى واجهت اثيوبيا معارضة من المجلس ، لكن احتراما لاثيوبيا لم يصدر المجلس قرارا بل اصدر مجرد بيانا صحفيا لكنه تضمن دعوة المجلس الى وقف اطلاق نار فورى وشامل وغير مشروط واستئناف المساعدات الانسانية للتقراى. وتضمن البيان ايضا تمسكا بالشكليات مؤكدا الالتزام ان الرئيس النيجيري السابق ” اولوسيقون اوبوسانقو ” رئيسا للجنة الوساطة رغم انه التزم الصمت المطبق حول الدور الكبير لارتريا فى الحرب الاثيوبية باعتبار ان الحرب فى اثيوبيا شان داخلى بحت ، وبالتالى هى ليست من اختصاص مجلس الامن الدولى ، لان اثيوبيا لا ترغب ان تذهب المسالة ابعد من ذلك.

الاعضاء الافارقة وافقوا على جلسة مغلقة لمجلس الامن شارك فيها اوبوسانقو افتراضيا وابانت احاطته للمجلس عن موقفين: دعا الى وقف فورى للاعمال العدائية كما قال المفاوضات التى يقودها الاتحاد الافريقي لاتعنى ان الاتحاد الافريقي سيذهب فيها منفردا، فقام الاعضاء الافارقة باصدار بيان اعربوا فيه من ” القلق البالغ” ، لكن عملت روسيا والصين على منع مجلس الامن الدولى تبنى البيان وبتحريض وايعاز من اثيوبيا . كان الجميع متفائلين ان مجلس الامن سوف يتبنى مشروع الاعضاء الافارقة ويتبعه، مما اثار حفيظة المندوب الكيني وطالب روسيا والصين سبب معارضتهم للموقف الافريقي – وهو اجراء يكاد لم يسبق له مثيل –

نجاح اثيوبيا التكتيكى فى عرقلة بيان مجلس الامن يكمن فى فشلها الاستراتيجي ،ويقود للتساؤل لماذا اثيوبيا تخاطر بعلاقاتها مع افريقيا من اجل روسيا والصين؟ وهو بدوره ما يثير مسالة ما اذا كان الرئيس الارترى اسياس افورقى – الحليف الافريقي الاكثر ولاءا لروسيا ، هل هو صاحب القرار ؟ لذلك لم تستطع مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الامم المتحدة ” ليندا توماس قرين فيلد ” اخفاء غضبها بعد فشل الاجتماع وشاهدت مسيرة نظمتها الحكومة الاثيوبية يوم السبت فى اديس ابابا المتظاهرين يدوسون الاعلام الامريكية والاوروبية ويلوحون بالاعلام الروسية. لقد اعتاد ابى احمد على استرضاء الولايات المتحدة مستخدما التهديد الغير مخفى بالتحول الى المعسكر الروسي او الصيني كرادع، لكن باستخدامه تلك الورقة سوف يجد نفسه خاسرا.

قال مستشار الامن القومى الامريكى السابق ” زبغنيو برجنيسكى” : ( ان اولئك الذين لديهم ذكريات دبلوماسية سيتذكرون ذلك وهو ما حدث عام 1977 حيث كان ذلك الانفراج ” مدفونا فى رمال الاوغادين “) عندما غيرت اثيوبيا موقفها بشكل كبير ابان الحرب الباردة وحصلت على جسر جوى ضخم من الامدادات العسكرية السوفيتية والكوبية والذى حسم الحرب مع الصومال لمصلحة اثيوبيا .
لكن بنفس القدر لا يستطيع ابى احمد تكرار ذلك الانجاز الذى حققه الديكتاتور ” منغستو هيلي مريام ” لان حكومته بحاجة الى عمليات انقاذ مالية ضخمة امريكية واوروبية ولايمكن للمساعدات الروسية والصينية الايفاء بها.

كما هناك نقطة مهمة جدا وهى اثار الاتحاد الافريقي واثيوبيا غضب الاتحاد الاوروبى ، اذ فى خطوة غير مسؤولة لم يدعو الاتحاد الافريقي الاتحاد الاروبى ليكون مراقبا فى مفاوضات جوهانسبيرج بين اطراف النزاع الاثيوبى. ذلك ان الاتحاد الاوروبى هو الممول الاكبر لمفوضية الاتحاد الافريقي وعمليات السلام والاغاثة التابع له. لكن اوروبا لديها جهود خاصة فى تقييد مغامرات اسياس افورقى – اكبر مولد للاجئين فى العالم – وكانت خطة ابى احمد واسياس افورقى ان تحتل قواتهما المشتركة عاصمة التقراى ” مغلى” ثم يعلنان انتهاء الحرب قبل بدء المفاوضات.
ساحات المعارك لم تسير وفقا للجدول الزمنى للحكومة الاثيوبية وهناك تعليمات للقوات بالتقدم مهما كانت الخسائر فاجتاحت مدة للتقراى مثل شيري واكسوم ، عدوة ، بفعل التوازن المادى القوى الذى يميل لقوات التحالف.
الجدير بالذكر ابى احمد اعلن الانتصار بعد ان سيطرت قواته على مغلى فى 2020 لكن سرعان ما تمكنت قوات دفاع التقراى بعد فترة وجيزة من طرد القوات الغازية . من المحتمل جدا ان تصبح التقراى مستنقعا تنزف فيه اثيوبيا وارتريا معا كما ستنزف تقراى ايضا.
الجنود الاثيوبيون الذين يتقدمون المعارك غير منضبطين وخائفين لعدم اعدادهم الكافى للقتال ومرعوبين من عناصر التقارو ومن فرق الموت الارترية التى ترافق كل وحدة وتطلق النار على الفارين من الجيش وهم رعاة ومزارعين ويؤمرون بالسيطرة على السكان المعادين فى صيغة لارتكاب جرائم الحرب. بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعى الاثيوبية يوردون بالفعل مبررات مسبقة لعمليات القتل العشوائي. واعربت ” اليس نديرتو” مستشارة الامم المتحدة الخاصة لمنع الابادة الجماعية عن قلقها من بشان خطاب الكراهية السائد الذى يحض على الابادة الجماعية.

ربما قد يكون نفد اخيرا صبر الافارقة والاوروبيين من عدم ابتعاد ابى احمد عن ارتريا وسيدفع ابى احمد ثمنا باهظا للابتعاد من الطاغية الارترى وابتعاده عن الفرصة الاخيرة له لاحلال السلام. يمكن للولايات المتحدة والاوروبيين فرض تكاليف باهظة على ابى احمد اذا رفض وقف الحرب والاعمال العدائية ، لكن مع ارتفاع خطاب الكراهية فى اديس ابابا ليس من الواضح ماذا كان ابى احمد اتخاذ قرار مصيري بوقف الحرب.

تشير احدث التقديرات الى ان مابين 380 الف الى 600 الف مدنى لقوا حتفهم فى تقراى مابين نوفمبر 2020 واغسطس 2022 بفعل فظائع الحرب ونقص الرعاية الصحية والجوع . ويرجح ان عشرات الالوف لقوا مصرعهم فى امهرا والعفر .
التقديرات الخاصة باعداد الموتى من كل الاطراف تتراوح ما بين 250 الف الى 600. الف.
من دون وقف الاعمال العدائية وايصال المساعدات الانسانية واخراج القوات الارترية من اثيوبيا ، سوف تكون هناك حالات وفيات لا مبرر لها وستكون الدفعة الاولى من سلسلة طويلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق