رأي
يا رجال الله حلوني من جقود بقلم: علاء الدين محمد ابكر
يا رجال الله حلوني من جقود
بقلم: علاء الدين
محمد ابكر
يذخر التراث الشعبي السوداني بالعديد من الاعمال الفنية الخالدة
التي تجسد روح الشجاعة والقيم الإنسانية النبيلة ورفض الظلم والقهر واكرام المرأة وتوقير الكبير والاحسان الي الفقير ورحمة بالصغير
ولم تاتي تلك القيم العظيمة من فراغ وإنما كانت نتاج التأثير القوي من البيئة المحيطة بالمجتمع المحلي وصادف ذلك وجود حركة تدين متصالحة مع جميع مكونات المجتمع وخاصة وان مشايخ الطرق الصوفية وجدوا الطريق ممهدا لنشر الدين الاسلامي وسط، السودانيين الذين كانوا قبل انتشار الاسلام يعظمون رجال المعتقدات الكريمة التي تحض على التكاتف والتعايش السلمي لذلك كانت الخلاوي تمثل بوتقة انصهار لمختلف الفئات الاجتماعية المختلفة فكان لفظ ( ابونا الشيخ) يعني التوقير والاحترام ولكن مع تقدم الزمن تلاشت الكثير من القيم الإنسانية النبيلة التي كانت سائدة في ذلك الزمن الجميل
وجد الفن مكانة خاصة عند سكان المدن الجديدة التي نشات بسب العمران الصناعي الذي انتظم البلاد ابان بدايات عصر الاستعمار الانجليزي و عملية الغناء لم تكن متطورة كما هي عليه اليوم من تاليف احترافي للكلمات واللحن والموسيقي في الماضي وكان اعتماد المطرب او المغنية علي الغناء التراثي القديم ولكن في فترة اربعينيات القرن الماضي ومع افتتاح الاذاعة السودانية و تطور الغناء الشعبي وصل الأمر الي درجة مشاركة الفنانين في رفع الروح المعنوية للجنود السودانيين في جبهات الحرب العالمية الثانية في شرق وشمال أفريقيا فكان الفنان يحمل العود بيد والبندقية باليد الأخرى نذكر على سبيل المثال الفنان الكبير عميد الفن الراحل الاستاذ احمد المصطفي والاستاذ الكبير امير العود الراحل حسن عطية وسيدة الغناء النسائي عائشة الفلاتية والتي اشتهرت بتريد اغنية ( يجو عايدين إنشا الله عايدين يا الله
قلبي انفطر … دمعي انهمر الليلة السفر ابقي قمره جوه القطر )
فكانوا خير سفراء للفن السوداني وقد مسحت مشاركتهم في الحرب العالمية تلك النظرة الدونية لشخصية الفنان الذي كان يوصف في الماضي بالصايع اوالعاطل وأصبحت لهم بعد ذلك مكانة في المجتمع والفن بشكل عام يعتبر جسر للتواصل بين الشعوب مع بعضها البعض ونشر الثقافات الأخرى وتشجيع السلام والتعايش السلمي
ان الموسيقي السودانية فرضت نفسها حتي علي دول الجوار فنجد الفن الغنائي السوداني يتمتع بقبول طيب في شرق افريقيا وجنوب السودان وتشاد وغرب أفريقيا وتخطي ذلك الاعجاب بالفن السوداني الحدود الجغرافية لأفريقيا بفضل جهود الموسيقار الراحل اسماعيل عبد المعين حيث وصل الاعجاب بالموسيقي، السودانية إلى الولايات الأمريكية المتحدة و تحديدا ً قواتها المسلحة التي اخذت لحن المارش السوداني الذي يقول الذي مطلعه ( كان دروا وما دروا
– الطير تحوم حول الرمم كان دروا وما دروا)، حيث سمعه قائد الأسطول الأمريكي في المحيط الأطلسي وطلب منه ان يكون هذا اللحن شعارا رسميا لـ(البحرية الأمريكية)، وبنا علي ذلك سافر الموسيقار اسماعيل عبد المعين إلى مدينة طبرق في ليبيا عام 1952، حيث حضر أداء الفرقة العسكرية الأمريكية لهذا النشيد، ويعتبر أول من أدخل السلم الخماسي السوداني إلى الموسيقى العالمية
و الموسيقي العسكرية السودانية هي كذلك مليئة بالتراث الشعبي الذي تحول مع تطور ايقاع الحياة الي مقاطع موسيقية مدوزنة ولكل لحن قصة تحكي بشكل فكاهي او مسرحي عن ما كان يحدث في الماضي من وقائع ومن اكثر اللحان الموسيقية التي لها اواقع خاص علي نفسي هو مارش جلالة ود الشريف وترجع قصة تأليف هذه الجلالة إلى تكليف قائد يدعى ود الشريف في دارفور لإخضاع منطقة (دارقمر) لحكم المهدية، وهناك قابله فارس من المنطقة يسمى (جقود) فتصدى لود الشريف وهزمه وفر الأخير من ميدان المعركة وفي سخرية منه تم تاليف هذه الجلالة سخرية والتي تقول :
ود الشريف رايو كمل رايو كمل
جيبو لي شالايته من دار قمر
يا عباد الله حلوني من جقود
يا رجال الله حلوني من جقود
هوي يا رجال الله حلوني من جقود
ويظل الفن السوداني يحمل الكثير من المعاني التي تحض على مكارم الأخلاق والصبر والشجاعة
اتمني اعادة البرامج التراثية لتقدم من جديد على تلفزيون السودان مع التركيز علي اعادة انتاج برنامج صور شعبية الذي كان يقدمه الراحل الكبير الطيب محمد الطيب حتي يعرف الجيل الحالي عن السودان ما خفي عنهم وانسب شخص يمكن ان يقدم هذا البرنامج هو الاستاذ عبد الباري العجيل فهو عبارة كنز من التراث الشعبي السوداني وبلا شك سوف يقدم البرنامج بشكل جميل
المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
?????9770@?????.???