رأي

الباشا يبحث عن امجاده في ظل دولة علمانية فتعلموا من بقلم علا الدين محمد ابكر

الباشا يبحث عن امجاده في ظل دولة علمانية فتعلموا من
بقلم علا الدين محمد

الباشا كان هو أعلى لقب تشريفي للمسؤولين المدنيين والعسكريين في الدولة العثمانية و ليس هناك درجة ارفع منه الا منصب الصدر الاعظم الذي يعادل منصب ( رئيس الوزراء ) حيث يمثل السلطان خليفة المسلمين في تصريف الأعمال اليومية للدولة وبما ان الخلافة العثمانية لم يعد لها الان وجود بعد الاطاحة بها عقب تورطها في الحرب العالمية الأولى والتي خسرتها لتفقد بالتالي اجزاء كبيرة من امبراطورية عظيمة كانت تشمل معظم شرق اوربا وشبة الجزيرة العربية وشرق افريقيا والخليج العربي وليبيا ومصر ولو كانت بشكل اسمي والشام والعراق
و يرجع الفضل في المحافطة علي ماتبقي من تركيا الي كمال الدين باشا اتاتورك الذي قاد حرب تحرير ضد قوات بريطانيا واليونان وحلفائها حيث عمل علي عدم ضياع تركيا بالتقسيم بين الدول المنتصرة وقد نجح اتاتورك باشا في تحقيق النصر لتركيا وابرام سلام مع الحلفاء و بالرغم من ظروف الحرب التي جعلت تركيا تخسر اغلب املاكها الا انها تماسكت بسرعة وعملت علي التخلص من ارث الماضي وتحولت إلى جمهورية وذلك بعد الاطاحة بالحكم السلطاني الذي استمر اكثر من اربعمائية عام وعقب الغاء الخلافة العثمانية ظهرت جماعة الإخوان المسلمين تتباكي علي مجد قد افل وخلافة قد غابت وبالفعل تعاطف الناس مع حركة الاخوان المسلمين ولكنهم عملوا علي استغلال تلك العواطف والمشاعر بالعبث بامن واستقرار العديد من دول العالم العربي والإسلامي ومن بين تلك الدول كانت تركيا حيث حاولت جماعة الإخوان المسلمين في تركيا اكثر من مرة من الوصول إلى هرم السلطة ولكن جميع تلك المحاولات بائت بالفشل الا ان تمكن حزب التنمية والعدالة في العام 2002م من الفوز بالانتخابات العامة مما مكنهم من تشكيل الحكومة وقد كانت فترة صعبة للغاية عليهم وكل العالم ينظر إليهم بحذر شديد ولكنهم كانوا اكثر عقلانية من رصفائهم من جماعات الإخوان المسلمين في بقية الاقطار الاسلامية فلم يعملوا علي الغاء النظام العلماني الذي تسير عليه الدولة التركية ولكنهم عملوا علي رفع القيود التي كانت تضع علي المتدينين وتمنعهم من ممارسة حقهم في اقامة طقوسهم الدينية خاصة فئة النساء فقد انتصر لهن السيد اوردغان وذلك بالسماح للمراة التي ترتدي الحجاب بالدخول الي الجامعات والمرافق العامة والخاصة والبرلمان والحجاب وهو لاباس المراة التركية المسلمة ولكنه ترك لغير المراة المحجبة حقها في ان تلبس ما تريد وهو بذلك مارس ذكاء منقطع النظير بمنح الجميع الفرصة باعتبار أن الدين لله والوطن للجميع ولم يحظر بيع وشراء الخمور وانما ترك امرها الي الضمير الخاص بكل مواطن هو صاحب الحق في ماذا يختار عكس جماعة الكيزان التي ابتليت بها جمهورية السودان حيث كانت الشريعة الإسلامية التي اعلنت عن تطبيقها عبارة عن هرج ومرج وخيار وفقوس وزولي وزولك فقد كانت سيف مسلط على راس المواطن المهمش الذي سند له بينما اصحاب النفوذ يسرحون ويمرحون ، وفي تركيا مارس السيد اوردغان سياسة اللين حيث استطاع لاول مرة من السماح باستخدام ببث الاذان للصلاة باللغة العربية بعد ان كان محصور فقط باللغة التركية عقب الغاء الخلافة العثمانية واعاد افتتاح مسجد ايا صوفيا للصلاة فيه بعد ان كان متحف للتاريخ بعد الغاء الخلافة الإسلامية العثمانية ، اوردغان بكل بساطه اعاد حقوق المسلمين المتدينين ولكنه لم يمس حقوق الغير المتدينين من ابناء الشعب التركي ومن انصار العلمانية لذلك نجح الرجل في تقديم تجربة جديدة تختلف عن تجربة الاخوان المسلمين في السودان الذين ما ان وصلوا الي مقاليد السلطة الا وقد دشنوا عهدهم بالدماء والاعدامات والاقصاء والتمكين وارهاب الناس ونشر الكراهية بين الشعب وتشجيع القبلية وانتهاك حقوق الانسان وكل ما لايخطر علي بال الانسان من الجرائم التي قامت به جماعة الإخوان المسلمين السودانية فالكيزان لايعترفون بالديمقرطية طريق للتبادل السلمي للسلطة فقط يعرفون الانقلابات العسكرية فالراحل الترابي من خلال احاديثه السابقة في قناة الجزيرة الفضائية صرح بانهم في الحركة الاسلامية كانت لديهم النية منذ العام 1977م في الوصول ذات يوم الي السلطة وقد كان لهم ذاك عندما نجح المخلوع البشير في الاطاحة بحكومة مدنية منتخبة سنة 1989 فكانت ثلاثين عاما من القهر والظلم حتي نجح الشعب في اسقاطهم ولو بشكل جزئي في انتظار أن تكتمل الثورة في صورتها النهائية فالثورة حتي الان تعاني من عدم السير الصحيح بسبب المتاريس التي تضعها فلول عناصر النظام السابق الذي لن يستسلم بسهولة لذلك فرض علي الشعب حصار اقتصادي عبر عملائهم من التجار الذين باتوا يرفعون الاسعار كل يوم في ظل حكومة ضعيفة لم تحرك ساكنا لمجابهة تلك الضائقة الاقتصادية بسبب غيابها عن الشارع وعدم تفاعلها مع قضايا الشعب ، لم ينتهج اوردغان نفس نهج جماعة اخوان السودان ولم نسمع ان تركيا قد اقامت تمكين لعناصر الاسلاميين الاتراك فكان السيد اوردغان رئيس لجميع افراد الشعب التركي لذلك وجد تعاطف ودعم منهم عندما وقع انقلاب عسكري في يوليو في العام 2016 والذي كاد ان ينجح في انهاء حكم السيد اوردغان ولكن تلاحم الشعب التركي بجميع اطيافه افشل ذلك الانقلاب العسكري المدعوم من رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية
رغم الازمات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا في الكثير من الاوقات الان المواطن التركي لم يعاني لدرجة ان يقف في طوابير الخبز لساعات طويلة او الانتظار في محطات الوقود لنيل حصته من المحروقات بمثل ما يحدث في السودان الذي شهد اطول فترة حكم لحزب اسلامي وهي اطول من فترة حكم الحزب الحاكم في تركيا ولكن حسن نوايا الجانب التركي ساعدتهم في فترة زمنية قصيرة من نقل تركيا من دولة مستهلكة الي دولة متقدمة في جميع المجالات حيث ارتفع معدل النمو الاقتصادي التركي و تطور الانتاج والصناعات التركية حتي باتت مصدر ثقة الجميع ، وانا شخصيا اعتبر ان السيد اوردغان رجل ذكي جدا فهو يعرف ان الخلافة العثمانية لن ترجع من جديد في ظل التطورات السياسية الدولية ورغم ذلك عمل علي جزب الحالمين بذلك المشروع الديني وبالفعل كان للسيد اوردغان ما اراد حيث تدفقت نحو تركيا هجرات كبيرة من رجال الاعمال والمطلوبين في بلادهم حيث عملوا علي التمتع بمباهج تركيا العلمانية والتي اطلقوا عليها دار الهجرة وذلك الهوس سمح لتركيا بالتمدد وايجاد مساحة جديدة خارج التراب الوطني التركي تارة بالدفاع عن قضايا المسلميين في العالم وقد نالت تركيا اعجاب المسلمين وهي تتصدي لفرنسا وتعلن عن مقاطعة المنتجات التجارية الفرنسية غضبة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم مما ادخل فرنسا في (فتيل) وهنا اظهر اوردغان نفسه كسلطان روحي لجميع المسلميين في العالم
وتارة اخري تعمل تركيا بالبحث عن مصالحها حيث فرضت نفسها بقوة في البحر المتوسط والبحر الاسود وصارت السفن الحربية التركية تجوب البحار والمحيطات بمثل ما كان يحدث ابان الدولة العثمانية بقيادة امير البحار نصر الدين بابروسا عندما كان مجرد ذكر اسم تركيا يثير الرعب في قلوب الاوروبين ابان العصور الوسطى
وانفتحت شهية تركيا لخيرات شرق البحر المتوسط خاصة للغاز المكتشف بكميات هائلة في سواحل ليبيا لذلك سارعت الي عقد اتفاق بحري لتنقيب النفط والغاز مع حكومة الوفاق الوطني المعترف به دوليا وهي التي كانت محاصرة داخل مدينة طرابلس التي كادات ان تسقط في يد قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر وهنا وجدت تركيا مدخل سياسي عبر ذلك الاتفاق السياسي التجاري وقد كان ذلك الاتفاق بالنسبة لحكومة الوفاق المحاصرة في طرابلس طوق النجاة وبالفعل تدفق الجيش التركي نحو طرابلس لتنجح القوات التركية المتقدمة في التسليح من ابعاد جيش الجنرال خليفة حفتر من اطراف مدينة طرابلس الي شرق ليبيا وقد كانت تلك العمليات العسكرية بمثابة فرصة ذهبية لتركيا لتجريب بعض الاسلحة خاصة التكنلوجية التي انتجها مصانع الجيش التركي فقد كانت من البراعه ان اصابة جميع الاهداف العسكرية في ليبيا بدقة متناهية حيث حققت نجاحا باهرا ولتاكيد ذلك النجاح كان ينبغي علي تركيا اختيار ساحة معركة جديدة لاختبار قدرات الاسلحة التركية الحديثة خاصة في الحروب الاليكترونية وقد اصابت الاسلحة التركية نجاح كبير في هزيمة قوات ارمينيا امام الجيش الاذربيجاني في منطقة اقليم
( قره باغ) المتنازع عليه بين البلدين فقد انهار الجيش الارميني بسرعة تحت الضربات الجوية عبر الطائرات التي تعمل بدون طيار وكل تلك الرسائل التركية موجهة إلى بريد اعداءها التاريخين الذين فرضوا عليها الانذواء بعيد عن الساحة الدولية وهنا شعر جميع افراد الشعب التركي بالاتحاد لاجل عودة بلادهم الي مكانتها الطبيعية فالامر تجاوز مسالة ماذا ترتدي الفتاة من ملابس او من يرتاد دور الدعارة واندية القمار المنتشرة في استانبول فتلك اشياء انصرافية والزمان كفيل بان تندثر والانسان بطبعة ملول ويشعر بالضجر متي ما مارس شي لا فائدة منه وان الهداية والايمان تتوقف علي الانسان نفسه والمحيط الذي يعيش فيه فكما ان دور الفسق والفجور مفتوحة ولها عشاقها ينبغي كذلك السماح لرجال الدين بفتح دور معابدهم للشخص الذي يرغب في الذهاب اليهم ولكن ارغام الناس علي اتباع هذا او ذاك سوف يدخل الانسان في صراع نفسي حاد ومن تلك النقطة انطلقت سياسة السيد اوردغان نحو اقامة دولة يكون هدفها احتلال مكانة بين الدول الكبري وان عليه ان يمارس الدعوة إلى الفضيلة بالتي هي أحسن وهنا ينبغي على جماعات الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم ان تدرك انها باتت مرفوضة من جميع شعوب المنطقة بسبب اساليبها في انتهاج العنف ورعاية الارهاب ويكفي ما حاق بالسودان من ضرر بسبب انتهاج سياسة القهر لشعبها فقد كانت تجربة حكومة الكيزان خلال فترة الثلاثين سنة الماضية في مايعرف بتطبيق الشريعة الإسلامية عبارة عن تنفير للناس عن الدين و الإسلام الذي دخل السودان في القرن الاول الهجري بدون عنف وكيف تصدت قوات مملكة المغرة النوبية لجيش الصحابي الجليل عبد الله بن ابي السرح حيث خاض الطرفين حرب ضروس حتي توصلوا الي اتفاق سلام بينهم عرف (بالبقط) نصت ابرز بنوده علي حرية المعتقد الديني ، اذا الشعب السوداني لايحتاج الي مرشد وقد تعايش الناس في سلام وامان والطرق الصوفية قد لعبت دوراً كبيراً في تشكيل هوية الشعب السوداني وذلك بالتسامح الديني وعدم انتهاج سياسة التطرف او نشر الكراهية وقبول الآخر حيث عاش وسط السودانين. طوائف غير مسلمة مثل المسحيين ( الارمن والاقباط والاغريق ) (واليهود ) في حب وتناغم حيث لم يعرف السودان التنافر واعلاء القبلية والتطرف الا في عهد حكومة الكيزان التي كانت تتوهم تطبيق الشريعة الإسلامية فكان نتاج ذلك انفصال جنوب السودان واشتعال الحرب في مناطق أخرى خلاف جنوب السودان في جبال النوبة ودار فور وجنوب النيل وزرع الفتن مابين ابناء الشعب حتي بعد سقوطهم في شرق البلاد وغربها وخلق ازمة اقتصادية والشي المضحك المبكي أن كبار المسؤولين الكيزان الان يعيشون في تركيا العلمانية ولم نسمع منهم اي انتقاد للسيد اوردغان في لماذا لم يعلن عن تركيا دولة اسلامية انه النفاق الذي يمنعهم من قول ذلك فالسيد اورغان يعمل لصالح بلاده بينما الاخرين يعملون لتدمير لأوطانهم ، كان اوردغان في قمة الذكاء وهو يعلن انه ضد الارهاب لذلك كان يخوض كل حرب تحت شعار مكافحة الارهاب ولم يعلن انها حرب مقدسة( الجهاد) ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي جنوب تركيا بمثل ما فعلت حكومة الاسلامين في السودان التي اعلنت عن الجهاد ضد جنوب السودان وبذلك انحرف الصراع من حرب اهلية الي حرب دينية مما جعل المشكلة اكثر تعقيد لم يسعي اوردغان الي الغاء العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل بل سجل زيارة لها وهو يري ان مصالح بلاده فوق كل شي عكس المتطرفين لدينا في السودان الرافضين للتطبيع مع إسرائيل
حقا انها حركة ذات فكر مضلل والدليل على ضلال جماعة الاخوان المسلمين هي تلك الفتوي التي اصدرتها هيئة كبار العلماء بالسعودية حيث جاءت الفتوي حسب النص التالي (بان الاخوان المسلمين جماعة ارهابية لا تمثل منهج الاسلام وانما تتبع اهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف وتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة واثارة الفتنة و العنف والارهاب) بارك الله في هولاء العلماء علي تبصيرهم للناس من خطر تلك الجماعة التي لا تتوافق ايضا مع الشخصية السودانية وكنت اتمني عقب الاطاحة بهم ان تتولي حكومة الثورة اقامة ورش عمل عن انسب الطرق لمعالجة اثار حكم الكيزان للبلاد وانعكاس اثرها النفسي علي الانسان السوداني ولكن بكل اسف لم تحظي الثورة بحكومة تمثل تطلعات الثوار بل اهملت تلك الحكومة حتي معاش المواطن وجعلته يتجرع كاس الندم والحسرة بينما فلول النظام البائد تسخر من تخبط حكومة الثورة التي بدل من العمل علي اسعاد الشعب عملت علي تعميق جراح الوطن ، فارودغان عرف كيف يحافظ على الحريات الشخصية في بلاده وفي نفس الوقت استغل الدين لترسيخ صورة الدولة العثمانية التي حكمت في الماضي العالم العربي وشرق أوروبا واجزاء من شرق افريقيا بقوة الحديد والنار وقد نال السيد اوردغان احترام الجميع فقد قدم تجربة جديدة في الحكم بعيدة عن الهوس الديني الذي يقود إلى العنف

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
?????9770@?????.???

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق