رأي
عبد الكريم ابراهيم يكتب .. بربر التي رأيت
عبد الكريم ابراهيم يكتب ..
بربر التي رأيت
تمر السنوات و تبقى كثير من المدن السودانية الأصيلة ثابتة تشدها جذورها، محافظة على موروثها شاهدة على تاريخها العريق..
و من تلكم المدن بربر، المدينة الهادئة التي تنام على ميمنة نهر النيل في الولاية التي حملت الاسم شمال السودان .
كشفت جولة قمنا بها إليها لأيام قليلة خلت ، أن بربر هي ذاتها بربر التي كانت حاضرة منذ العهد المروي مرورا بالفترات التاريخية المتعاقبة إبان الحقبة السنارية و التركية و المهدية وشهدت أحداثا مهمة و مثلت ملتقى للتجارة بين أطراف السودان و محطة على طريق حركة الاقتصاد و التجارة بين مصر و السودان.. و نقطة تجمع للحجيج من دول أفريقية عدة في خط الهجرة إلى سواكن و منها إلى الحجاز..
حتى أن أحد أحيائها المهمة حمل اسم (دار مالي) شاهدا على العمق المضياف لهذه المدينة من أمد بعيد للحجاج من أفريقيا، الذين اثروا البقاء و عدم العودة إلى أوطانهم، فكان ذلك أساس تشكل مكونها الاجتماعي العربي الأفريقي فانصهرت فيها قبائل السودان مع أعراق مصر و دول أفريقية أخرى كصورة للتماذج الإنساني الرائع و انعكس ذلك في شخصية انسانها المسالم المحب للآخر..
وراء اسم كل حي من أحيائها قصة تروي حكاية حقبة من التاريخ ( معينيفة و الشرام و الضانقيل و عنيبس و الدكة و المنيدرة ….)
كل من يلتقيك يشعرك أن بينه و بينك صلة قرابة يحييك بحرارة و يرغب بالتواصل معك.. يبادر بالاعتذار أن أخطأت انت في حقه.. لم تغيره أمواج المتغيرات العاتية حوله..
المباني و البيوت و الأسواق، معظمها لم تتغير هندستها، يفوح منها عبق السنوات.. ما تزال الدواوين الواسعة المرتفعة السقف المفتحة. الأبواب و النوافذ ملتقى الأهل و ملاذ الأسر الممتدة.. الحيشان التي تدخلها من باب فتكتشف أنك تحتاج إلى وقت طويل لتعرف كيف ستخرج منها تعبر أزقتها فتجد عشرات الأبواب التي تقودك إلى دور قاطنيها..
ملامح الناس فيها مريحة و جميلة و مرحبة و مضيافة..
دور العبادة و مساجدها عامرة رغم انتشارها.. متصالحة و تكمل بعضها مساجد الختمية و الأنصار و الأحمدية و البرهانية و غيرهم عامرة بالصلوات و الدروس و الأذكار.
أنديتها الرياضية و الثقافية و دور الشباب و الأدباء. الفنانين تعج بالحضور.. استقبلتنا بأهازيجها و غنائها.. كيف لا و قد قدمت للوطن أسماء و أقلام و قصائد و ألحان و حناجر .. منها على سبيل المثال الشيخ عبد الله البدري و الشعراء الكبار محمد يوسف موسى و عبد الرحمن مكاوي و من المطربين عبد العزيز داوود و الأخوين أونسة ،محمود علي الحاج وصولأ لجيل كمال الدين بطران ، معاوية حبيب ، ابراهيم آدم و غيرهم..
بربر التي جملت حياة أهل السودان في محاور الثقافة و الأدب و اعطتنا الدار السودانية للكتب لمؤسسها الأستاذ عبد الرحيم مكاوي..
و أسماء لأسر كبيرة ومعروفة لا نسردها هنا خشية نسيان بعضها، أسهمت بشكل مؤثر في الاقتصاد و السياسة و الثقافة..
الشاعر الراحل الأستاذ عمر محمد احمد العوض وفي أغنيته الوطنية الشهيرة.. سوداني بريدو ( في بربر السلوى وفي الدامر الخلوة في عطبرة الصحوة والعفة كاسياني .. الخ) رسمت لنا صورة زاهية مشرقة عن سوداننا الحبيب متمثلة في مدن بربر ، الدامر ، عطبرة ، مروي وغيرها ،، هذه الملحمة حركت فينا احاسيس و كنا نبحث عن مشاهد رسمت امام أعيننا في ظروف الحرب التي اخرجتنا من بيوتنا وديارنا نازحين و سائحين منقبين في مدن وارياف بلادنا العزيزة المنكوبة
مكثنا اياما بولاية نهر النيل وقفنا على ملامح انسانها الطيب المسامح الكريم وبيئتها ومساجدها وخلاويها وزرعها وضرعها .
زرنا خلوة المعينيفة التي يعود تأسيسها للعام 1824م الموافق 1240ه التي افتتحها السيد علي الميرغني وزارها السيد محمد عثمان الميرغني وتخرج فيها كثبر من الرموز منهم الفنان عبد العزيز محمد داؤود رحمه الله.
كما تمت زيارة مسجد وخلاوى الشيخ عبد الماجد الأحمدي .
وكان اتحاد الأدباء و الفنانين احد كيانات مدينة بربر الثقافبة الفنية والأدبية بالمنطقة مسك ختام الزيارة.
ونشير الي ان مدينة بربر تحتضمن مصنع اسمنت بربر بجانب انها تم ترشيحها لتكون مدينة للصناعات الدوائية.
التحية نسوقها للذين كانوا وراء هذه الزيارة دفعا وتشجيعا لنا ونذكر منهم ابناء العمومة ببربر واسرهم الكريمة عثمان مصطفى الكباشي الذي احتضنتنا داره العامرة و كنا محل حفاوة اسرته ، الرشيد وحمدي عبد الوهاب دفع الله الذين رافقانا في برنامج زيارتنا و كانا مفتاحا للدخول لكثير من من تعرفنا عليهم في هذه المدينة و ابن العم حسن السيد حاج عبد الرحيم عبد الهادي البدوي الذي أكرم وفادتنا..
و لأسر و أبناء حلفاية الملوك ممن اعادتهم الحرب لاكتشاف جذورهم في بربر يس و حسن و السر و طارق و تمتد التحية لأؤلئك الزملاء والأصدقاء الذين لم نتمكن من زيارتهم واسرهم مدني عثمان مضوي ، بشير يوسف ، محمد حسن ابوزيد و لأبناء بربر كافة.. نشكر لهم جميعا حسن استقبالهم وضيافتهم .
و نودع بربر بدعوة مفتوحة لأبنائها لزيارتها مرة أخرى في أقرب فرصة لاستكمال الجولة و اكتشاف الكنوز التي لم تكن الليالي الأربع التي قضيناها فيها كافية لسبر غورها و اكتشاف دهاليزها الثمينة.