Uncategorized
من أعلي المنصة ياسر الفادني خيوط الحرب في السودان ….صراع مصالح لا براءة فيه

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
خيوط الحرب في السودان ….صراع مصالح لا براءة فيه
لم تعد حقيقة الحرب في السودان تحتاج إلى كثير من التحليل أو التخمين ،فالصورة باتت فاضحة لدرجة لا يمكن تغطيتها بأي روايات دبلوماسية، الحرب التي دمّرت المدن وشرّدت ملايين الأبرياء ليست إلا نتيجة مباشرة ليدٍ خارجية تعبث وتخطط، وأخرى محلية تنفّذ وتخرب، دون أن يرفّ لها جفن أمام الدماء التي سالت والبلاد التي إنهارت
لقد أصبح واضحاً لكل ذي عينين أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً بعيدة عن هذا الخراب ، فهي تدير المشهد من بعيد، وتستخدم الوكلاء وتنشّط أدوات الضغط، بينما تتظاهر بأنها وسيط حريص على السلام، الحقيقة أن واشنطن كانت ولا تزال تنظر إلى السودان باعتباره ورقة في موازين مصالحها، لا دولة تستحق الإحترام ولا شعباً يستحق الحياة، عقود من العقوبات، حصار إقتصادي خانق، وقرارات تتجدد كلما بدأ السودان يرفع رأسه قليلاً… هذا ليس صدفة ولا أخطاء متراكمة، بل سياسة مقصودة تهدف إلى إبقاء البلاد تحت السيطرة
وما يجري اليوم ليس استثناءً، فالحرب تحوّلت إلى سوق مفتوح للسلاح، أمريكا تصنع وتبتز، والإمارات تشتري وتوزع، والمليشيا تنفّذ وتخرب، هذه السلسلة القذرة من المصالح ليست تحليلاً سياسياً بارداً، بل واقعاً صارخاً يراه الشعب السوداني كل يوم، ولا ينكره إلا خائف أو متعامٍ أو مستفيد من الفوضى
وإذا كانت واشنطن تحرك الخيوط، فإن أبوظبي أصبحت الذراع التي لا تتردد في تمويل الخراب، كل خطوة، كل شحنة، كل دعم، تشير إلى أن هناك مشروعاً ممنهجاً لإطالة أمد الحرب، لجعل السودان غنيمة سهلة لمن يريد النفوذ ولمن يبحث عن أسواق سلاح أو أوراق ضغط سياسية
في المقابل، يدرك السودانيون جيداً أن الموقف السعودي مختلف تماماً، فالمملكة ليست دولة تبحث عن تدمير السودان أو تقسيمه، بل دولة تعرف تاريخ علاقاتها معه، وتعمل مهما اختلفت المواقف على نزع فتيل الأزمة لا إشعالها، لهذا جلس العاهل السعودي مع ترامب مباشرة، لأنه يعرف أين تُصنع القرارات الحقيقية، ويعرف من يمسك بـ”البلف” الذي يفتح أبواب الخراب ويغلقها
أما تصريحات ترامب أو غيره، مهما بدت صاخبة أو مطمئنة، فهي لا تعني شيئاً ما دامت الإمارات قادرة على زيادة عطاياها وشراء النفوذ، كلمة اليوم قد تُشطب غداً، والمواقف تُباع وتُشترى مثل أي سلعة أخرى في سوق السياسة الدولية
لقد خُرِب السودان لأن الأيادي الخارجية وجدت لها عملاء محليين لم يترددوا لحظة في بيع وطنهم بأبخس الأثمان ، لم يبيعوا من أجل مشروع وطني، ولا من أجل مصلحة الشعب، بل من أجل سلطة زائفة أو أموال قذرة أو ولاءٍ لأجندات لا علاقة لها بالسودان ولا بمستقبله
الحرب لم تكن قدراً، بل صناعة ، والخراب لم يكن نتيجة صراع داخلي بسيط، بل نتيجة شبكة تدخلات دولية وإقليمية وجيوش من العملاء الذين جعلوا من وطنهم حطباً في نار الآخرين
لن ينهض السودان ما لم تُقطع هذه الأيادي، وتعود الكلمة إلى أهل البلاد، وتُغلق أبواب الوصاية، ويُطرد كل من جعل من الوطن صفقة على طاولة الغير.




