Uncategorized

مصطفي نجم البشاري يكتب …في رثاءالمدير السابق لمستشفي سوبا الجامعي

نعي الناعي من انجمينا رجلا بقامة أمة البروفيسور عمر زايد مدير مستشفي سوبا سابقا ومستشفي طب المناطق الحارة والأستاذ بكلية الطب جامعة الخرطوم ،بفقده فقد السودان علما لايعوض في تخصص الطب الباطني وطب المناطق الحارة ،وتتوالي ابتلاءات السودان بنقص في الأنفس، ولانقول إلا مايرضي الله ،…(انا لله وانا اليه راجعون…)
تعرفت علي البروفيسور عمر زايد لأول مرة عن طريق صديقي الدكتور قاسم الفكي علي ،احد علماء الاقتصاد الافذاذ في السودان ،كان ذلك في بداية الألفية الثالثة ،وقتها كانت الملاريا علي اشدها فتكتك بالكثيرين ،وكنت منهم وقد تكررت زياراتها الي ليلا ونهارا صيفا وشتاءا حتي صارت خبيثة تزورني والناس نيام هددت حياتي ،أشار الي،صديقي دكتور قاسم الي زيارة البروفيسور عمر زايد في المركز الطبي الحديث وساجد عنده الدواء الشافي بإذن الله، تم الحجز وكان لاياخذ اكثر من عشرة حالات في المقابلة الواحدة وعشرة اخري للمراجعات ،جاء دوري ودخلت اليه وجدته رجلا بسيطا طيبا متواضعا قام من التربيزة وسلم علي بحراره كأنه يعرفني من سنوات واجلسني علي الكرسي ،اذهلني اهتمامه وعنايته الفائقة وتقديره لي من وقتها عرفت انني امام طبيب انسان غير عادي،وقد كانت لي تجارب اخري مع أطباء آخرين،يشعروك بأنك مجرد زبون وهناك آخرون في الانتظار ،لكن كان البروفيسور عمر زايد كان مميزا وهذا اسلوبه مع كل المرضي يعطيك انطباع بأنك اول مريض تزوره واول حالة يتعامل معها ،ياخذ ويعطي معك في المرض وجوانب الحياة الاخري ومتعابها وعملك والظروف الصعبة ،كل هذا وهو شديد التركيز معك في شكواك من المرض الذي تعاني منه انه رجل انسان وطبيب ماهر ،يحاول تطمينك بكل طريقة ممكنة يعيش معك كل التفاصيل، تاكل شنو ساكن وين ،شغال شنو ،مشاكل شنو …الخ. يعيش معك كل لحظة تحكيها من تاريخ المرض ،في ادب جم ولا ينظر إليك إطلاقا تراه خافضا راسه يستمع إليك بانتباه، لم امر علي طبيب مثله ،اخذت معه من الوقت وخرجت منه مرتاحا نفسيا،بعدما ان اخرج من درجه أقراصا خاصة لعلاج الملاريا المصتعصية وكانت من تركيبة يجهزها بنفسه في معمله الخاص ،من وقتها هربت مني الملاريا حتي اليوم.مذ ذاك الوقت أصبح بروف عمر الطبيب المعتمد و الاستشاري الخاص للاسرة والأصدقاء والمعارف الذين ياتون من الولايات بغرض العلاج وغالبا ماتكون حالاتهم حرجة .مرة كان هناك قريب لي من نيالا أصيب بمرض غامض لم تنفع معه كل محاولات العلاج ،وصل لمرحلة صعبة من المرض أجريت له كل الفحوصات المعتاده بمستشفي نيالا ولم تجد نفعا،توقف عن الأكل وفقد القدرة علي المشي، وبدا ان علاجه غير ممكنا،حجزنا له في أقرب طائرة الي الخرطوم ،فور وصوله اخذناه من المطار مباشرة الي المركز الطبي الحديث للبروف عمر دون حجز مسبق كحالة طارئه مستعجلة، تعامل بكل اهتمام مع الحالة،واسعف المريض فورا بادوية منقذة للحياة وطلب اخذ عينات من الدم لإرسالها الي المانيا لتاكيد الفحوصات،سألته لماذا؟أجاب باني اتهمه بمرض لا يمكن التأكد منه إلا في معامل خاصة خارج السودان، وطلب منا ان نعود اليه بعد اسبوع لمعرفة النتيجة، رجعنا في الوقت المحدد،اذا به يقول لنا أن ماكان يظنه اكدته نتيجة الفحوصات القادمة من ألمانيا ،ان مريضنا يعاني من نقص في الكرتزون بسبب تيبس الغدة الكظرية، وهو مرض نادر يصيب شخص واحد من كل الف شخص ،يسبب الأعياء وضعف المناعة،وتبدو أعراضه كالملاريا،ويمكن التعايش معه مثل الأمراض المزمنة الاخري،أصبح مريضنا حالة يتم تدريسها لطلاب الطب بعد ان تم تحويله الي مستشفي سوبا الجامعي الذي كان هو مديرا له ،واصل مريضنا حياته الاعتيادية لاكثر من عشرة سنوات الي ان تم قتله مغدورا في احدي ليالي نيالا المظلمات مات عبدالله يونس شهيدا تتعدد اسباب والموت واحد له الرجمه.
بعد سنوات زرته مع مريض اخر وحدثته بخبر موت مريض الكرتزون ،حزن حزنا عميقا وأخرج من درجه مجله علمية باللغة الإنجليزية وفيها المفاجأة قصة مريض الكرتزون والبحث الذي كتبه عن المرض كحالة نادرة من امراض المناطق الحارة حيث نال بموجبه ضمن بحوث اخري درجة الاستاذية من جامعة الخرطوم .هذا الطبيب الإنسان الهاديء المتواضع كانا حاذقا دقيقا في تخصصه واستاذا وعالما فذا قدم للانسانية الشيء الكثير، لم يدخل اليه مريض إلا وخرج منه في حالة نفسية أقرب للعافية منه الي المرض ،لم تغره شهرته كان بسيطا كطبيب يدواي مرضاه بكل حب يطببهم معنويا قبل أن يقدم لهم العلاج للأمراض التي يشكون منها ،بفقده فقدنا رجلا نبيلا وانسانا خلوقا وطبيبا بارعا عشق الطب كمهنة وعلم واستاذا مميزا قدم لطلابه علما غزيرا ،فقدناه وبلادنا تنوء بالاحمال الثقيلة والنوازل المتوالية، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ،لاتدري نفس باي ارض تموت مات هناك في بلاد غريبة وأهل غرباء فطوبي له ،الا رحم الله البروفيسور عمر زايد رحمة واسعة وجزاه بأحسن ماكان يعمل ويقدم من اجل الوطن والعلم والطب والإنسانية.
مصطفي نجم البشاري علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق