منوعات

علاء الدين محمد ابكر يكتب :الموت الأبيض سايمو هاوها (أعظم قناصي التاريخ)

الموت الأبيض
سايمو هاوها (أعظم قناصي التاريخ)

على هامش الحرب العالمية الثانية في إطار الاتفاق السري بين الإتحاد السوفيتي و ألمانيا النازية على تقسيم مناطق شرق أوروبا بينهم، كانت فنلندا واقعة ضمن حدود المفترض بها الوقوع تحت السيادة السوفيتية، كانت فنلندا بلدًا صغيرا تعداد سكانه ثلاثة ملايين نسمة حصل على استقلاله عام ١٩١٨ بعد سقوط الحكم القيصري في روسيا، و خارج لتوه من حرب أهلية شاقة بين الشيوعيين أو ما سمي بالحرس الأحمر و أعدائهم أو ما سمي الحرس الأبيض انتصر فيها اعداء الشيوعية و تأسست الديمقراطية الفنلندية على الحدود الشمالية للإتحاد السوفيتي.

في هذه الأجواء ولد سايمو هاوها عام ١٩٠٥ م في قرية فنلندية، كان والده فلاح وله أخان أحدهم مات من الضعف و المرض و الأخر قتل في الحرب الاهلية ضمن صفوف الحرس الأبيض، في بدايته عمل سايمو في الحقل مع والده لفترة أصبح خلالها هاوي للصيد في الغابات المجاورة، و ما أن تم ١٧ عاما حتى إنضم لصفوف الحرس الأبيض الفنلندي عازمًا على الثأر لأخيه أو للدفاع عن فنلندا التي مات لأجلها أخيه الأكبر، كان الحرس الأبيض في ذلك الوقت شحيح الموارد جدًا فلا مجال لأي تدريبات غير مهمة لذلك بدأ سايمو على الفور في تدريبات الرماية بالبنادق و التي أظهر فيها سايمو تفوق ملحوظ عن زملائه، ليبدأ قادته في ترشيحه لمنافسات الرماية التي تجري بين كتائب الجيش الفنلندي و التي تفوق فيها على اقرانه، رغم عدم حصوله على تدريبات قنص إلا أنه كان بارع في الرماية من على بعد حتى بدون منظار القناص المعتاد فقد كان يعتمد فقط على نظره الثاقب و سباته في الوصول لأهدافه، لتنتهي مدة تجنيده في الحرس الوطني بعد ١٥ شهر من الخدمة حائز على عدة ميداليات في الرماية، ليعود لعمله السابق كفلاح في قريته و يعود ليمارس هوايته المفضلة و هي الصيد.

ظلت الأمور على حالها إلى أن قام الإتحاد السوفيتي بحشد قواته على الحدود الفنلندية في نوفمبر من عام ١٩٣٩ ليتم استدعاء سايمون للخدمة من جديد ليخدم كعريف في الجيش، بالفعل بدأ الهجوم السوفيتي و بدأت معه المقاومة الفنلندية الشرسة، وخلال الأيام الأولى من الحرب بدأ السوفيت في استخدام سلاح القناصة خاصتم لقتل القادة و الضباط الفنلنديين، كان أحد الضباط قد خدم مع سايمو من قبل خلال فترة تجنيده و يعرف قدرته الماهرة في الرماية تم نقل هذا الضابط و كتيبته و من ضمنها سايمو إلى منطقة كولا على الحدود بين روسيا و فنلندا، كانت هذه المنطقة بالذات مشهورة بوجود قناص سوفيتي قتل ثلاثة ضباط فنلنديين خلال اوائل أيام الحرب، ليقوم هذا الضابط و الملقب برعب المغرب (كان قد خدم في صفوف الجيش الفرنسي بالمغرب) باعطاء أمر لسايمو بالتوجه إلى موقع هذا القناص و التخلص منه، توجه سايمو إلى منطقة نشاط القناص و بالإضافة إلى زيه العسكري المموه بالأبيض أخفى نفسه بين الثلوج واضعًا الثلج في فمه حتى لا يصدر منه بخار يرشد القناص عن مكانه و بقا منتظرا لأي إشارة تفيد بمكان القناص السوفيتي متخفيًا بين الثلوج طوال النهار حتى وقت مغيب الشمس، و عندما أتى وقت الغروب انعكس ضوء الشمس في عدسة منظار القناص السوفيتي فعرف سايمو موقعه، و ما كان يحتاج لأكثر من ذلك ليطلق طلقة واحدة من بندقيته تقتل ذلك القناص على الفور، عاد سايمو إلى وحدته مظفرا بالنصر، و من يومها أصبح رجل المهام الصعبة في الجيش الفنلندي، بعد هذه الواقعة بدأ الجيش الفنلندي يستعين بخدماته للقضاء على القناصة السوفيت، فقد كان يتنقل باستخدام الدراجة أو الحصان بين خطوط التماس على الجبهة فهنا قناص قتل عدد من الضباط فيذهب سايمو لينهي الأمر و هناك هجوم سوفيتي فيذهب سايمو ليمارس هوايته في الصيد، لم يكن سايمو يترك مكانه حتى ينهي المهمة التي اوكلت له، و بإختصار فهم سايمو مهمته الأساسية خلال فترة تواجده في الحرب و هي قتل السوفيت فقام بها على أكمل وجه، حتى أطلق عليه الروس اسم الموت الأبيض.

لم تقتصر خدمات سايمو في الحرب على خطوط التماس الفنلندية السوفيتية، فقد كان الجيش الفنلندي يعاني من شح الموارد فقبل الحرب رفض البرلمان زيادة ميزانية الجيش و للتغلب على هذا الشح في الموارد قرر الجيش الفنلندي عمل مهمات خلف خطوط العدو على خطوط إمداده لغنم ما يقدرون عليه من عتاد، فكان سايمو من اوائل من اختيروا لخوض هذه المهمة مع زملائه، فقد كان يقوم بقنص أكبر عدد من جنود العدو قبل أن يهجم زملائه على الموقع المراد و يعودون بالعتاد و الزخيرة إلى مواقعهم، بعد ذلك أصبح سايمو حرا خلال المعركة يتجول في الغابات برفقه جندي مساعد له، ذات مرة و هو في الغابة وجد تجمع للجنود السوفيت، فاخفى نفسه على بعد من الموقع بين الثلوج دون حركة و بدأ في قنص الجنود المتمركزين في الموقع كانت طلقته بجندي أمضى نهاره في قتل الجنود السوفيت و هم امضوا نهارهم في البحث عنه دون جدوى، ما أن أنهى نهاره عاد لوحدته ليستقبله قائد كتيبته بفخر و يسأله كم قتل من الجنود السوفيت اليوم ليجيب بكل تلقائية ” لم أكن اعد ربما ٢٣” لكن من عدد طلقته و من المعلومات الواردة من الجانب الروسي في ذلك اليوم كان الموت الأبيض قد أختطف ٢٥ جندي سوفيتي، لم يكن سايمو يهتم لشئ سوى مهمته فهذا ما تعلمه خلال خدمته في الحرس الوطني في أيام تجنيده فشح الموارد اجبرهم جميعًا على التركيز على مهمة واحدة و تدريب واحد، ليختار سايمو أن يركز خلال هذه الحرب على مهمة واحدة و هي القتل دون النظر لثانويات كعد القتلى، فلم يكن من نوع الجندي المتفاخر فرغم كل إنجازاته إلا أنه كان متواضع جدًا بين زملائه حتى في الصور الجماعيه كان يقف في الخلفيه إلى أن يجبره زملائه على أن يكون في الوسط في وجه الكاميرا كما كان دائما في المقدمة في وجه العدو.

لم يهدأ الإتحاد السوفيتي فقد أصبح قتل ذلك القناص هدف اساسي للجيش الأحمر نظرا لحجم الخسائر الكبير الذي كبدهم إياه، فبدأ الروس في إرسال أمهر قناصيهم لقتله، على كل حال لم يكن سايمو منيع على القتل لكن تخفيه الجيد بين الثلوج و عدم استخدمه لمنظار القناص المعتاد حتى لا ينعكس الضوء فيه أعطاه ميزة إضافية في وجه القناصة الذين كانوا يبارزوه، فقد كان يحدد أماكنهم من انعكاس الضوء على المناظير، و طلقة واحدة منه كفيلة بإنهاء العدو، لكن رغم ذلك أصيب سايمو ذات مرة لكن الطلقة مرت فوق ظهره مباشرة محدثة جرح صطحي في ظهره، لكن القناص الذي أطلقها و في مقابل فقد سايمو لبعض قطرات الدماء قد فقد حياته، لم يهنأ السوفيت و بدأوا في اتخاذ تدابير إضافية لحمايه جنودهم، فزادوا عدد الجنود المكلفة بحماية التحركات و أقاموا السواتر الثلجية حول أماكن تمركزهم، ليسغل سايمو تلك الأخيرة ليتخفى بين ثلوجها دون حراك ليقنص من تصل إليه عينه من الروس.

رغم كل ذلك ورغم قتله ل٥٠٠ جندي سوفيتي بالبندقية الفنلاندية ????28 الصغيرة و ٢٠٠ جندي بالرشاش
???????????????????? ????????/-31
إلا أن الموت الأبيض قد أصابه قناص روسي (قيل قذيفة دبابة) يوم ال٦ مارس ١٩٤٠ في وجهة إصابة أدت لفقده لنصف وجهة تقريبا لكنها لم تقتله فدخل في غيبوبه لمدة ثلاث أيام بعدها دخل المشفى في أواخر الحرب ليتم اجرأ عملية إعادة لنصف وجهة لكنه أصيب بتشوه بقية حياته، ليتم ترقيته في ترقيه إستثنائية من رتبة عريف (عسكري) لرتبة ملازم أول(ضابط) في ترقيه لم تحدث من قبل و يمنح العديد من النوط و الأوسمة الشرفية على شجاعته، لكنه يختار في النهاية بعد الحرب ترك الجيش و العودة لحياته السابقة كفلاح و كان شيئًا لم يكن حتى وافته المنية في على سريره عام ٢٠٠٢م، ليسدل الستار عن حياة الموت الأبيض بنفسه في سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق