رأي

سفرالقوافي محمد عبد الله يعقوب الجاغريو .. سليل الاشراف الذي شكل وجدان اهل السودان !!

سفرالقوافي
محمد عبد الله يعقوب
الجاغريو .. سليل الاشراف الذي شكل وجدان اهل السودان !!

قبيل اندلاع الحرب اللعينة وانا ادير قسم الثقافة والمنوعات والفنون بصحيفة الاهرام اليوم ، جاءتني رسالة ادبية منمقة من قاهرة المعز لدين الله الفاطمي من احد اعلام ومثقفي العيلفون ( ملوك الشعر والفن والادب ) بجانب تقاقيب القرآن الكريم والتصوف النظيف ۔
ورأيت بعد هذا التقديم المقتضب ان نقرإها معا ؛ (( القاهرة / العيلفون : هشام الخليفة ۔۔
سأحاول هنا في حلقات قصيرة أن اسلط الضوء على الزوايا والمنحنيات في حياة وشعر هذا الشاعر الفنان الضخم التي لا يعرفها الناس او معظمهم فقد عرفوا عنه الكثير ولكن مالم يعرفوه كان أكثر.
ولد الجاغريو في قرية الدبيبة لأبوين ينحدران من بيت العمدة محمد عبدالرحمن في العام ١٩١٠م وأهل الدبيبة هم من سلالة الخليفة بركات المطرفي الخليفة الثاني للشيخ إدريس ابن الأرباب وزوجته عائشة بت محمد ود سليمان ود اب عيش سليلة الأشراف العسيلات.
وعندما بلغ السابعة من العمر ادخله والده خلوة الشيخ الأمين جد الفنان سيد خليفة ومكانها منزل العم احمد المصطفى بركات الحالي.
انتقلت بعد ذلك الأسرة للعيلفون والجاغريو في تلك السن الصغيرة حيث شيد لهم والدهم منزلا في أرض يمتلكها العمدة محمد عبدالرحمن تقع غرب السوق الحالي ويقيم بالمنزل الآن ابن أخيه الأستاذ محمد عبد الرحمن الشيخ.
تفتحت موهبة الجاغريو الشعرية مبكرا فقد ذكر انه كان يلتقط الأوراق وعلب السجائر من الطريق ويدون فيها أبيات الشعر التي تخطر بباله وكان يقول إن عنده (شيطان) اسمه (يونس) يقيم في اعلى شجرة في (حوش عبدالله) في فريق ورا حيث يقيم أخوة الشيخ محمد الشيخ فكان كلما يزور أخاه يهبط هذا الشيطان على رأسه فيمليه القصيدة فيحفظها مباشرة .
عمل في بداية حياته في صناعة المراكب في بري فلذلك ارتبطت حياته ببري المحس مع العيلفون والدبيبة والقوز وقد ذكرت لي خالتنا المرحومة (أم سلمى ابو الريش) وهي تقيم في بري المحس أنهم كانوا يطلقون عليه لقب (تلغراف) لسرعة تنقله بين هذه المناطق الأربع.
طرق الجاغريو كل أبواب الشعر الشعبي المعروفة من غزل وفخر ورثاء وهجاء غير أن شعر (الاخوانيات) هو ما انحجب عن الجمهور وذلك لأنه استخدم فيه مفردات حادة يصعب ذكرها في منبر عام ولكنني سأحاول أن أذكر هنا ما يمكن أن يقال.
كان مصطفى الشيخ إدريس المعروف بـ(برجس) من أصدقاء الشاعر وندمائه وفي يوم زواجه والناس يتهيأون ليوم حافل بالغناء والبهجة والطرب توالت النكبات على العيلفون فقد توفي في منتصف النهار طفل كان غاية في الوسامة ابيض اللون صحيح الجسم حتى أطلق عليه أقرانه لقب (حمل) وما أن حل الليل والفتيات في استعداد بالزينة والعطور للحفلة حتى نعى الناعي نجمة الفريق الفتاة الرائعة الجمال والتي اسمتها صاحباتها (قمر) تشبيها لها بالبدر.
وقبل أن يوارى الناس (قمر) الثرى مات رجل كهل كانوا يطلقون عليه لقب (مرفعين) فكانت ختاما ليوم انقلب من النقيض إلى النقيض.
اراد الجاغريو أن يخفف الحزن على صديقه برجس فداعبه بأبيات لطيفة قائلا:
مالك يا برجس
اتغديت بي حمل
واتعشيت بي قمر
مالك يا برجس
شيلوا الفاتحة اجمعين
مات حتى المرفعين
إذ انك لم تكفي بـ(الطيبين الذين راحوا) فختمت اليوم بغيرهم.
وتستمر مداعباته مع برجس فقد كان الشاعر والسمار يجتمعون في بيت برجس كل ليلة. وفي أمسية جميلة والطرب في اشده فقد الشاعر (اب خمسه) و(اب خمسة) تعني خمسة قروش كانت في شكل قطعة معدنية وهذه الخمسة قروش تكفي لشراء ثلث زجاجة من الخمور البلدية التي كانت تعبأ آنذاك في زجاج البيرة الأخضر. أنكر كل الموجودين صلتهم بالسرقة فنعى الجاغريو ماله الذي فقده بأبيات ظريفة :
يا تلت القزازة الخضرا
من يوسف نووا لك حرقه
برجس سوى حيلتو المرقه
وهو كان السبب في السرقه
ود مانديد فرش منديلو
وبرجس باقي ليهو دليلو
شالوا اب خمسه كيفن ليمو
وقال, المستحيل تسليمو
يا تلت القزازه الخضرا
وفي مناسبة أخرى كانت هنالك امرأة يعجب بها الجاغريو اسمها (ستارة)، -بتشديد التاء- يجلسون في منزلها يتسامرون وفي يوم ما غضبت منه (ستاره) لسبب ما وتغير وجهها فحز ذلك في نفسه وخاطبها قائلا:
قنابل مونتجمري اللي الرؤوس بعتاره
ارحم لي من صرة وشيش ستارة
فانطرح وجه ستارة وابتسمت له بعد هذ العتاب الظريف. ونختم بالابيات التي نظمها وهم يتهيأون للاحتفال بما كان يسمى (خم الرماد) وهو قبل يومين من رمضان يودعون ايام البهجة والسرور ويستقبلون شهر العبادة والصيام. كان (خم الرماد) قد تم التجهيز له في منزل امرأة اسمها (أم الأمور) غير أن رمضان فاجأهم بإعلان المفتي انه سيكون صبيحة الغد مباشرة فخاطب الجاغريو أم الأمور مذكرا ها بأن البرنامج سيكون قائما دون تعديل فقال:
أم الامور نحن جينا
مع الفطور (بالحاجات) ارجينا
والساعه عشرة تلقانا استوينا
أم الامور نحن جينا
وبي رمضان ما علينا
آسف إن أطلت عليكم فـ(الكلام جاب الكلام) والى لقاء قادم إن شاء الله.
القاهرة/ العيلفون ))
خروج اخير
يظل الجاغريو ابرز شعراء الحقيبة تمردا ومقدرة على تطويع كلمات العامية السودانية لتصبح شعرا فصيحا ، فهو امير امراء شعراء الحقيبة بلا منازع ۔

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق