رأي

مصر والتحولات الدولية من هامش الدور إلى مركز الفعل ✍️ بقلم: المستشار محمد مختار باحث قانوني

مصر والتحولات الدولية
من هامش الدور إلى مركز الفعل
✍️ بقلم:
المستشار محمد مختار
باحث قانوني
يشهد العالم في الوقت الراهن تحولات استراتيجية غير مسبوقة في بنية النظام الدولي. فالنموذج الأحادي الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة يتآكل تدريجيًا، في ظل تصاعد قوى دولية وإقليمية جديدة، وتراجع نسبي للفاعلية الغربية التقليدية. لم تعد الولايات المتحدة الطرف المهيمن بلا منازع، ولم تعد أوروبا قادرة على صياغة قرار موحد، في حين تشهد الصين وروسيا توسعًا متزايدًا في نطاق نفوذهما، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

في هذا السياق الدولي بالغ التعقيد، برزت جمهورية مصر العربية كفاعل إقليمي مستقل، يتعامل مع توازنات القوى بمنطق استراتيجي رشيد، يوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية، والانفتاح المدروس على دوائر المصالح العالمية.

لقد نجحت مصر في التحول من سياسة رد الفعل إلى سياسة المبادرة المؤسسية، حيث اتخذت لنفسها موقعًا متقدمًا في عدد من الملفات الحيوية التي تمس الأمن الإقليمي والدولي، من بينها الملف الفلسطيني، والوضع في ليبيا، والأزمة السودانية، وأمن البحر الأحمر. وفي كل هذه الملفات، لم تكتف القاهرة بدور الوسيط، بل أصبحت طرفًا فاعلًا في صياغة الحلول، بما يحفظ استقرار الإقليم من جهة، ويؤكد ثقلها السياسي من جهة أخرى.

اقتصاديًا، ورغم التحديات المعروفة داخليًا وخارجيًا، فإن مصر تسير في اتجاه إعادة بناء أولوياتها التنموية من خلال رؤية تقوم على تنويع الشراكات، وتوسيع قاعدة الإنتاج، والاستثمار في البنية التحتية والموقع الجغرافي كمركز لوجستي دولي. وهذه الرؤية تستند إلى مبدأ أساسي: أن الحفاظ على القرار الوطني المستقل لا يتحقق إلا من خلال اقتصاد قوي غير هش، لا يخضع لهيمنة خارجية.

وفي ظل هذا كله، تتسم السياسة الخارجية المصرية بالثبات والاتزان، حيث لم تنجرّ إلى أي تحالفات عقائدية أو محاور استقطابية، بل حافظت على علاقة متوازنة مع القوى الكبرى، من واشنطن إلى بكين، ومن بروكسل إلى موسكو، وهو ما يمنحها مرونة استراتيجية عالية في التعامل مع أي تطورات مفاجئة على الساحة الدولية.
#الخلاصة:
إن مصر اليوم لم تعد تكتفي بلعب “دور” في الإقليم، بل أصبحت تُمارس “قوة” واقعية ناعمة وصلبة في آنٍ واحد. وفي زمن تتشكل فيه خريطة العالم من جديد، تبني القاهرة لنفسها موقعًا لا يستند فقط إلى تاريخها، بل إلى قدرتها على الفعل والتأثير والاستمرار.

مقالات ذات صلة

إغلاق