رأي

َمن أعلى المنصة ياسر الفادني ومشيناها خطى كُتبت علينا

من أعلى المنصة
ياسر الفادني
ومشيناها خطى كُتبت علينا

قدر السودان أن يختبر كل جراح الأرض في جسده وحده ، أن يدفع ضريبة الحلم، لا بضعف الحيلة، بل بقوة الصبر حين تنعدم الخيارات، ويتحوّل خطأ الحكم إلى لعنةٍ تسري في مفاصل الدولة، وتضرب عميقًا في خاصرتها

قدر السودان أن يخرج من زمنٍ كان الراعي لا يخشى على غنمه إلا من الذئاب، إلى زمنٍ صارت فيه الكلاب ترتدي بدلات الساسة، وتنهش بلا حياء ، كان المواطن يسافر من بورتسودان إلى الجنينة لا يصيبه سوى التعب، واليوم يسافر محمولًا على نعش أو نازحًا بين رماد المدن

قدر هذه البلاد أن يصعد على صهوة شعاراتها أنذال السياسة، من “سلام، حرية، عدالة” إلى سوق نخاسةٍ سياسي لا يعرف من هذه الشعارات سوى وقعها المُزيف على الميكرفونات ، قدرها أن يتحول الرجل الثاني في الحكم إلى قاتلٍ مأجور، مستبيحٍ للعرض، ناهمٍ للمال، مفرّطٍ في تراب الوطن دون أن يهتز له جفن

قدر أهل السودان أن يذوقوا مرارات النزوح، ويتركوا دورهم وأرزاقهم ودفء حياتهم خلفهم، هربًا من جحيم صنعه من ادّعوا النقاء الثوري، وامتهنوا التشظي والانقسام ، قدر السودان أن تشتعل في أرضه نار التمييز بين الخبيث والطيب، وبين من يقاتل لوحدة هذا الوطن، ومن يمزّقه باسم الحقوق والمناطقية والهوية المزوّرة

قدر هذه البلاد أن يُخذل من يقاتل من أجل بقائها، وأن يُتّهم من يحمي ترابها، بينما يرتدي الخونة ثياب الفضيلة، ويعتلون منصات الخطابة وهم يحملون خناجر في صدورهم

إنها معادلة مجنونة، فيها (سين) أكبر من (صاد)، وصاد صفري يساوي صفرًا كبيرًا، ناتج فشل لم يعرفه التاريخ إلا في لحظاته الأكثر ظلامًا
قدر السودان أنه في ثلاث سنوات فقط، شيّع أبناءه، شهداء لا تزال دموع فقدهم ساخنة في كل بيت، ما بين بريء اغتالته رصاصة الحقد، أو مناضل سقط في ميادين الشرف، يدافع عن الأرض والعرض والدين

وبعد كل هذا، قدرنا أن ننتظر القادم، ذلك الذي نخاله أنه سيختار حكومةً مدنية انتقالية لا تُبنى بالمحاصصات، ولا تُقاس بالولاءات، بل تنتصر للكفاءة، للوطن وحده وجيشه وحده

لكن السؤال :
هل سيستطيع أن يمضي بنا للأمام؟
أم نُعيد ذات الخطى التي مشيناها من قبل، نخطوها من جديد، نخطئها من جديد، ونتقهقر من جديد؟
هل نعيد تدوير الخيبة تحت مسمى “الأمل القادم”؟

إني من منصتي انظر ….حيث أري…. أن هذا قدر السودان
لكن…
هل يمكن أن نكسر هذا القدر؟
أم أن الأقدار في بلادنا لا تُكتب إلا بالدم؟.

مقالات ذات صلة

إغلاق