Uncategorized
من أعلى المنصة ياسر الفادني إيه يضيرك تسأل…يوم عَلَي ياغالي ؟

من أعى المنصة
ياسر الفادني
إيه يضيرك تسأل…يوم عَلَي ياغالي ؟
في عالم الطرب السوداني، قليل من الأغاني تستطيع أن تمسك بقلبك منذ اللحظة الأولى، وتربطه بخيط شفيف من الحنين والرهافة حتى آخر نبضة في اللحن… “عيش معاي الحب” واحدة من هذه التحف النادرة، التي كتب كلماتها الشاعر الساحر إسحاق الحلنقي، ولحّنها وغناها بصوته الرخيم الفنان الكبير صالح الضي، وشاركته أداءها بصوتها المخملي نبوية الملاك، فصارت الأغنية رحلة وجدانية لا تُنسى
منذ مطلعها “عيش معاي الحب عيش معاي حناني”، نكتشف أن هذه ليست أغنية عاطفية عادية، بل نداء حميم، أشبه برسالة استعطاف حنون لا تنقصها الكرامة، لكنها تتوسل بصدق المشاعر، كلمات إسحاق الحلنقي هنا تأتي كأنها نبض قلب يُكتب على ورق، لا زخرفة لغوية زائدة، بل صدق يوجعك بجماله
“إيه يضيرك تسأل يوم علي يا غالي” هذا سؤال بسيط في شكله، لكنّه جارح في عمقه، فهو يحمل خيبة المنتظر وألم المتجاهَل وعتب العاشق دون أن ينكسر
أما صوت صالح الضي، فهو العصب السمعي لهذا العمل. لا يغني فحسب، بل “يحكي” وجعه، يضع في كل جملة شيئًا من روحه، صوته هنا لا يبحث عن إستعراض النغمات، بل عن ملامسة الجراح، تلك العذوبة التي يتمتع بها، الممزوجة بخبرة الطرب القديم، تجعلنا نشعر أن كل كلمة قيلت، قيلت لتُغنّى بصوته تحديدًا
ثم تأتي نبوية الملاك، لتكسر جدار العزلة في الأغنية، دخولها ليس مجرد مشاركة نسائية في اللحن، بل هو دخول مؤنث للعاطفة، كأنّ الصوت الحنون جاء يواسي الضي، يجاوبه، يشاركه الألم، نبوية لم تكن فقط صوتًا مكمّلًا، بل روحًا موازية، جعلت من الأغنية حوارًا رقيقًا بين الحنين والخذلان، بين الرجاء واليأس، بين من يطلب البقاء ومن يلوّح بالغياب
الموسيقى المصاحبة للأغنية تشبه خلفية حلم ، اللحن بسيط، لكنه غائر في العاطفة، يترك المجال للكلمات لتتنفس، وللصوت أن يسود، لا يطغى بل يحتضن، فيرتفع أحيانًا كدمعة حارة، ويهدأ كنسمة مساء في شاطئ مهجور
في مقطع مثل:
“ما بسيبو غرامك، رضيان معاك بشقايا، وقت الطريقك يوصل، أعرف نهايتو خطايا”
“عيش معاي الحب” ليست مجرد أغنية، بل سيرة وجدانية مكتملة العناصر، فيها النص الأنيق، واللحن الراقي، والأداء الذي لا يُنسى، فيها عاشق يتلو وجعه بصوت صالح الضي، وترد عليه نبوية الملاك بصوت لا يقل دفئًا ورقّة
إني من منصتي…. أستمع…. لهذه الأغنية، إنها واحدة من تلك الأعمال التي لا تموت، لأنها ببساطة لم تولد لتعيش لحظة، بل لتسكن الذاكرة، وتُردد على مهل، في ليالي الوحدة، أو حين نحتاج لمن يترجم نبض قلوبنا… بدلًا عنّا.