رأي
من أعلى المنصة ياسر الفادني من الفسيخ شربات !
من أعلى المنصة
ياسر الفادني
من الفسيخ شربات !
كما طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده أكثر وهجًا، وأشد عنادًا للحياة، تنهض بعض المؤسسات في هذا الوطن كأنما كتب الله لها الخلود رغم الجراح، في ولاية الجزيرة، وفي قلب مدينة كانت بالأمس مرتعًا للمغول الجنجويدي، وجدتني أقف أمام مشهد لا يقل أسطورية عن حكاية الفينيق… منظمة الشهيد ولاية الجزيرة
هذه المؤسسة التي دُمرت، نُهبت، وداستها أقدام الطغاة بلا رحمة، قامت من بين الركام، وانتفضت من قلب الخراب، ومدّت جناحيها في الفضاء كأنها تقول: “ما زلنا هنا… وسنظل”. دخلت مبناها عقب أيام من تحرير مدني، فوجدتها شاهدًا على جريمة كاملة: جدرانها ملوثة، أرضياتها ملغومة بالقذارة، ورائحة المخدرات لا تزال تسكن المكان، وأعقاب السجائر متناثرة كأن من كانوا فيها لا علاقة لهم بالبشر
لكن ما أسرع هذا البعث العظيم! ما إن عدت بعدها بأيام حتى تغير كل شيء، فالحركة تدب في العروق، والإعمار يعلو جدران الصمت، والوجوه التي تعمل لا تنتظر تصفيقًا، بل تصنع معنى جديدًا للخدمة.. الخدمة لأسر من ضحوا بدمائهم من أجل أن نبقى
رأيت بعيني كيف يتحول الموت إلى حياة، واليأس إلى إصرار، في مؤسسة لم تُكتب لها النجاة فقط، بل اختارت أن تكون شمسًا لا تغيب في سماء ولاية أنهكها الخراب، يقف خلف هذه المعجزة رجل نذر قلبه ووقته وخياله الإنساني لخدمة الشهداء، الدكتور إبراهيم الحسن، الذي لا يعمل فحسب، بل يحنو ويحتوي ويعامل أبناء الشهداء كأنهم من صلبه، وهذه منزلة لا يُدركها إلا القليل
وعندما زار عضو مجلس السيادة الولاية، وشهدت على المناشط الجبارة التي نظمتها المنظمة في “عترة”، لم تكن بحاجة لشرح أو تمجيد، فالحدث كان ناطقًا بالشرف، والدمع في العيون كان أبلغ من الكلمات.. وهكذا يُخلّد العمل حين يكون لله، وحين تكون الغاية كرامة من مات من أجلنا
إن والي الجزيرة الذي ساند، ورعى، ومهّد الطريق لهذه النهوض، يستحق منّا شكرًا يليق بالحكمة التي أدار بها دفة الدعم والمؤازرة، لا شعارات، بل دعم فعلي فتح الآفاق لمن أراد أن يزرع الخير في زمن الجدب
أما العاملون في هذه المؤسسة، فهم أكثر من موظفين.. إنهم بنّاؤون وسط الحطام، يصنعون الحياة على رماد الألم، وكل يوم هناك إنجاز، وكل إنجاز يلد إنجازًا… حتى صار الفسيخ شربات، والشربات مشروب نصر، ولون كرامة
إني من منصتي انظر…. حيث اقول : فلنرفع الرأس فخرًا.. ففي هذه البلاد، هناك من يشبه طائر الفينيق، يبعثون من تحت التراب ليقولوا للعالم: السودان لا يُكسر.




