رأي
ياسر الفادني يكتب…. مابنقدر نغير الأيام سجية…. محسوبات علينا بالمرة وهنية لا

ياسر الفادني يكتب….
مابنقدر نغير الأيام سجية…. محسوبات علينا بالمرة وهنية لا…
رحل صاحب هذا اللحن العذب والصوت الذي يسكن الذاكرة، الفنان الشعبي الكبير عبد الله محمد، ذلك الرجل الذي كان يسكب الوجدان لحناً ويحوّل الشجن إلى أغنية تمشي على لسان الناس دون إذن، وتستقر في القلب دون استئذان
رحل بهدوء كما عاش، لا ضجيج ولا إعلان، لكنه ترك خلفه ما يجعل صدى صوته لا يغيب، عبد الله محمد لم يكن مجرد مغنٍّ شعبي، بل كان ذاكرة حيّة لوجدان هذا الشعب، كان أحد أعمدة الأغنية الشعبية التي شكّلت ملامح الهوية السودانية، تلك الأغنية التي تُغنّى في الأسواق والحقول والمناسبات، وتخرج من قلب البسطاء لتعود إليهم دفئًا وبهجة
كان صوته رخيمًا كصوت الجدّة وهي تروي الحكايات على ضوء السراج، دافئًا كنسيم المساء حين يمرّ على قلوب أنهكها التعب، وصادقًا كما الريدة التي لا تعرف الخداع، في أغنياته تتقاطع الحكاية مع الحكمة، وتلتقي الفطرة بالموهبة، ويظهر فنان صاغ لحنه من تفاصيل الحياة اليومية، من الشوق، والحنين، والفقد، ومن صدق العاطفة التي لا تزيّفها الآلات ولا تلوّنها المؤثرات
عبد الله محمد كان مدرسة في البساطة، لكنه لم يكن بسيطًا في إبداعه، لحّن وغنّى للناس، ومن الناس، فصار لسانهم الذي يقول ما يعجزون عن قوله، مثل (الفي قلبو ريدا احلامو بتغشو والريدة الأكيدة تفضل هي هي… لا …ما بنقدر نغير في الأيام سجية، هي ليست مجرد أعمال فنية، بل شواهد على زمن كان فيه الفن يُصنع من الصدق، لا من الصنعة، ومن الوجدان لا من السوق
برحيله، يفقد الفن الشعبي أحد أعمدته، ويفقد السودان صوتًا من الأصوات التي ما خذلت الطرب يوماً، كان من أولئك القلائل الذين لا يلهثون وراء الأضواء، بل يكفيهم أن يروا الفرح في عيون الناس، وأن يشعروا بأن أغنياتهم عبرت المسافات ودخلت البيوت بلا استئذان
وداعًا يا من لحّنت الحنين والوفاء، يا من علمتنا أن الريدة لا تُقال بل تُعاش، وأن الفن حين يخرج من القلب، لا يموت،
لك الرحمة بقدر ما منحت الناس من طيب الألحان، ولك الخلود في ذاكرة الفن السوداني، يا صاحب “اللاءات الجميلة” التي ستظل ترددها الأيام كلما مرّت على وترٍ يعزف إسمك.



