رأي

أعلي المنصة ياسر الفادني الحج والعمرة بالجزيرة.. إدارة على خط النار!

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

الحج والعمرة بالجزيرة.. إدارة على خط النار!

في ولاية الجزيرة، تلك الأرض التي ذاقت ويلات المغول الحنجويد، وارتوت من دماء الشهداء والصامدين، لم تنطفئ جذوة الحياة، ولم تنكسر شوكة الصمود، وبين الدمار والخذلان، نهضت إدارات آمنت أن الوطن لا يُبنى بالانتظار، بل بالفعل والإصرار،
ومن بين تلك الإدارات التي سطّرت إسمها في سجل البطولة، برزت إدارة الحج والعمرة بولاية الجزيرة، لتثبت أن الانتماء للوطن لا يكون بالشعارات، بل بالعمل حين يصمت الجميع

على رأسها يقف الجنرال عبد الواحد عوض حسين، رجل جمع بين صلابة المقاتل وحكمة الإداري، قاتل في الميدان حين نادت الكرامة، وقاد المتحركات لصد الأوباش، وعاد بعدها ليقود ميداناً آخر لا يقل عظمةً عن ساحات القتال، ميدان خدمة حجاج بيت الله الحرام في زمنٍ كان السفر فيه إلى مكة مغامرة لا تقل عن الذهاب إلى الجبهة

رغم الظروف القاسية التي مرت بها الولاية، سارت قوافل الحجاج من الجزيرة نحو بيت الله، ورجعت في طريقٍ ملغم بالمشقة، لكن إدارة الحج والعمرة لم تتخلَّ عنهم، رتبت، نظّمت، وسهّلت عبورهم حتى بلغوا القضارف، وهناك امتزج الوفاء بكرم الضيافة، لتؤكد حكومة القضارف أنها حقاً حكومة الضيوف، وأهلها أهل المروءة

لم تتوقف الملحمة عند ذلك، فإدارة الحج والعمرة كانت أول إدارة تعود إلى مبناها في مدني بعد تحريرها، تجلس على مكاتبها، ترتب الملفات، وتعيد دورة العمل في لحظةٍ كان فيها الغبار لا يزال يعلو الطرقات، لم تنتظر قراراً من أحد، بل إتخذت قرارها بأن تكون رمزاً للبقاء، وصورةً حية لدولةٍ لم تمت

ولم يكن عبد الواحد وحده في هذه المسيرة، بل كان حوله رجال من معدنٍ نادر، أدوا واجبهم بإخلاص وتفانٍ، وكأنهم في معركةٍ أخرى عنوانها العمل واجب وطني

إن مثل هذه النماذج لا تُذكر عابرة، بل تُوثق كصفحةٍ من ذهب في سجل الوطن، لأنها جسّدت المعنى الحقيقي للإدارة في زمن الحرب، وأثبتت أن المؤسسات الحية لا تموت حتى لو احترق العالم حولها
فإدارة الحج والعمرة بالجزيرة لم تكن مجرد إدارة، بل كانت على خط النار… تعمل، تقاتل، وتبني في آنٍ واحد، لتستحق بجدارة نوط الصمود والإنجاز في ملحمة الكرامة.

مقالات ذات صلة

إغلاق