Uncategorized

سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب محي الدين فارس .. حادي البؤساء والمتعبين في السودان !!

سفر القوافي
محمد عبدالله يعقوب
محي الدين فارس .. حادي البؤساء والمتعبين في السودان !!

انه شاعر بحجم الدنيا وقوة محيطاتها وانهارها وعالي الصوت كصهيل خيولها ، هادئا كنسائم غدرانها ، وحلو المفردة الشعرية كتغريد طيورها .. إنه محيي الدين فارس .. ذلك القلم المصادم شعرا عن الفقراء والبوساء والمرضى والمتعبين في السودان وسائر الاوطان ، وتقول سيرته في الموسوعة أن الشاعر الفذ محي الدين فارس أحمد عبدالمولى ولد في العام 1936 بجزيرة أرقو – قرية الحفير دنقلا – الولاية الشمالية ، وأتم دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مصر، عمل محاضراً بكلية بخت الرضا ، ومفتشاً فنيّاً في تعليم (ود مدني), ثم تفرغ لإنتاجه الأدبي. عمل في القاهرة في مجلة العالم العربي. أحد الذين وضعوا أقدامهم راكزة في ساحة الشعر العربي منذ أن كان طالباً في دار العلوم بالقاهرة وزامل كثيراً من الأسماء اللامعة في دنيا الأدب والفقه هناك.
ومحي الدين فارس صوت شعري أعلن عن نفسه منذ أن كان طالبا في الثانوية بالإسكندرية عندما هاجرت أسرته إلى هناك من موطنها في أقصى شمال السودان وبدأت الاتجاهات الجديدة في القصيدة العربية من حيث الشكل والمضمون وعندما انطلقت دعوات الواقعية الاشتراكية في الأدب العربي كان محي الدين فارس أحد فرسان الحلبة وفي لحظة انتقال القصيدة العربية من العمود إلى شعر التفعيلة، كان محي الدين فارس من أول المجددين وفي ظل هذا التجديد كان فارس حارساً للعربية في جزالة المفردات وصحيح اللغة.
في خيمة الشعراء يُلملِمُ النثر أطرافه خجولاً ، فقد اقتلعت يد المنون أوتاد الجسد ، ورحلت روح الشاعر مُحي الدين فارس مع أطياف العصافير التي ترحل إلى الآفاق كل يوم وليلة . لم نتعود في شعبة اللغة العربية في الثانوية لبس الفرنجة ولا صليل سيوف الشعر، تخرُج بنا من نقلة إبداع الأقدمين إلى تقدم نفر مثل شاعرنا في زهو الثقة بأن هنالك مناطق في لغة الشعر العربية تتوق لمن يحرثها ويستنبت الأزاهير والثمار والطيب مثله .
لن تنطفئ شمعة ظللت وجداننا كثيراً في زحام الأرجُل السياسية بفظاظتها ولا يتسع لنا الدمع أن نبكي وطناً يخسر الأرواح في كل يوم بمبررات وبدونها ، وتبقى أرواح المُبدعين متوهجة تنظرنا بعين الصنيع الحَسن وهو يعمل فينا عمل السِحر وعاش الشاعر المرهف معاناة قاسية وصبر عظيم على ابتلاء الله له بالمرض الذي أدى إلى بتر ساقه ثم امتد لتبتر الثانية.
ونشر له في العديد من الصحف والمجلات على امتداد الوطن العربي وشارك في العديد من المهرجانات المحلية والعربية ، ودواوينه الشعرية هي الطين والأظافر 1956- نقوش على وجه المفازة 1978- صهيل النهر- قصائد من الخمسينيات- القنديل المكسور 1997.
خروج أول
وكنا في بداية التسعينات بصحيفة القوات المسلحة وكان الراحل محي الدين فارس مشرفا على الملف الثقافي مع الاستاذ محمد صالح يعقوب والاستاذ صلاح شعيب والأستاذ التجاني الحاج موسى وكوكبة من الشعراء والادباء منهم اسماعيل الاعيسر والراحل احمد موسى بشارة ، وكان محي الدين فارس فاكهة الصحيفة بتعليقاته (المصرسودانية) وكان سعادة اللواء البروفيسور محمود محمد قلندر رئيس التحرير سعيدا به ونائبيه العميد الدكتور عبدالعظيم نورالدين والعميد عبدالباقي الجيلاني يوسف وكذلك مدير التحرير الرائد عوض الله سليمان .
وقبلها كان الاستاذ الراحل محي الدين فارس مسؤلا عن الملف الثقافي بصحيفة الاسبوع التي كانت ملكا للاستاذين الراحل الدكتور محي الدين تيتاوي وأحمد البلال الطيب واذكر انني سلمته نص شعري بعنوان ( عيد الهوى ) فقام بنشره وشجعنى على الاستمرار لافاجأ بعد عام بأن طالبا بالسنة الرابعة ( لغة عربية) بجامعة النيلين قد جعل من نصي بحثا لتخرجه وهو الاستاذ مجدي دفع الله الجوكر وهو الذي اخبرني بذلك .
ألا رحم الله شاعرنا محي الدين فارس واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء…. فقد توفى في يوم الخميس 15 مايو 2008 م ، ومن أشهر نصوصه المدافعة عن حقوق الشعوب المقهورة ضد ظلم الحكام قصيدته الأشهر ( لالا لن أحيد) ويقول في مطلعها :
أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقل الحديد
وهناك أسراب الضحايا الكادحون العائدون
مع الظلام من المصانع والحقول ملئوا الطريق
عيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق يتهامسون
وسياط جلاد تسوق خطاهم ما تصنعون
يجلجل الصوت الرهيب كأنه القدر اللعين
تظل تفغر في الدجى المشئوم أفواه السجون ويغمغمون
نحن الشعوب الكادحون
وهناك قافلة تولول في متاهات الزمان وبلا دليل
عمياء فاقدة المصير تمشى الملايين
الحفاة العراة الجائعون مشردون
في السفح في دنيا المزا بل والخرائب ينبشون
والمترفون الهائمون يقهقهون ويضحكون
يمزقون الليل في الحانات في دنيا الفتون
والجاز ملتهب يضج حياله نهد وجيد
موائد خضراء تطفح بالنبيذ والورود
لهف من الشهوات يجتاز المعالم والصدور هل يسمعون ؟

مقالات ذات صلة

إغلاق