Uncategorized

سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب الجرح القديم في زالنجي .. وذكرى رحيل الشاعر محمد سعد دياب !!

سفر القوافي
محمد عبدالله يعقوب
الجرح القديم في زالنجي .. وذكرى رحيل الشاعر محمد سعد دياب !!

كنت في مدينة زالنجي الخضراء حاضرة ولاية وسط دارفور بمعية بعثة تعزيز ثقافة السلام وإسناد عملية جمع السلاح في العام 2017 م، وحينها كانت مدينة وادعة تشع ألقا ببسمات عجائز الفور اللائي يفترشن بضاعتهن من كل الاصناف على حافة ظلط السوق الكبير وتكسو وجههن الطيبة والتلقائية في التعامل ، ولكن أغرب ما وجدناه في مثقفيها، هو حبهم للشاعر الشفيف محمد سعد دياب ورائعته (عيناك والجرح القديم) وهي واحدة من أجمل القصائد التي وجدت قبولاً لدى الشباب لسنوات طوال ، وضمخ بها المحبون خطاباتهم الغرامية وما زالوا ينهلون من سنى برقها الكاشف للوجد في القلوب الظمأى للتحنان والمؤانسة المترعة بصدق العاطفة التي مضى عهدها الآن إلى غير رجعة، بمثلما فعلت مليشيا الدعم السريع في زالنجي نفسها الأفاعيل ، فغابت البسمة عن شفاه كل النساء والاطفال والعجائز والشيوخ المخضرمين .
اذن (عيناك والجرح القديم) هي قصيدة استحقت أن يجعلها الراحل عنواناً لأحد دواوينه المدهشة كشعره الذي تميز بالسلاسة والقبول المطلق، ولنلق نظرة على حياة هذا الشاعر الذي حمل الوطن بين ضلوعه حتى رحيله بمدينة ينبع السعودية في أكتوبر من العام 2006م .
ولد محمد سعد دياب بأم درمان في العام 1945م وتخرج في معهد المعلمين العالي (كلية التربية) متخصصاً في اللغة الإنجليزية، ثم التحق بجامعة ليدز بإنجلترا للحصول على دبلوم تدريس اللغة الإنجليزية لأقطار ما وراء البحار. ومكنته دراسته فى إنجلترا من تعميق رؤيته للأدب الإنجليزي واستيعابه بمنظور جديد. وعمل بعد تخرجه مدرساً بالمدارس الثانوية،
وقدم العديد من البرامج الأدبية من الإذاعة السودانية والتلفزيون القومي، ونشر العديد من قصائده ومقالاته في الصحف السودانية، والصحف والمجلات السعودية.
ومن أبرز دواوينه الشعرية:(حبيبتي والمساء 1971)- (عيناك والجرح القديم 1986) الذي طبع منه ثلاث طبعات، وكان يستعد لإصدار ديوانه الثالث الذي يحمل عنوان (ونكتب في زمن الحزن).
ونقدم للقراء بعض من ابيات رائعته عيناك والجرح القديم إجلالاً لذكراه العطرة، فقد كان وما زال شاعراً لا يشق له غبار، أوفى جميلات بلادنا حقهن من النسيب الشفيف وعلى وقع تشببه سار الركبان وتعلم العشاق و( الحبان) كيف يتشببون حقا.
فماذا قال محمد سعد دياب لجميلة الحي :
وكنت أحدث عنك الدوالي وكنت أحدث عنك النهارا
أحدثها عن عيون تتوه بهن الأماسي، وتمسي سكارى
وشعر ترامى على الكتف يهفو لوعد المساء يضيق انتظارا
وكنت أباهى بعينيك زهوا أطاول كل الوجود افتخارا
كتبت لهن مقاطع شعر كضوء الصباح تشف اخضرارا
وكان هوانا حديث الرواة سقيناه نبضاً وعشناه دارا
نقشنا على كل نجم حروفاً لميعاد حب نقشنا الجدارا
يهش المساء إذا نحن جئنا وتهفو الدروب تطل انبهارا
ويسأل عنك عشب الطريق لكم أوحشته خطاك مرارا
ولما افترقنا، ظننت هوانا لقد مات عمراً، ومات مزارا
وألقاك بعد السنين، وآهٍ إذا ما صحا الشوق نبضاً ونارا
وأعجب، ما غيرتك السنين ولا العمر من فوق نهديك سارا
فلا زلت وجهاً يضيء، ونهداً يتيه غروراً، ويأبى الإزارا
وخصلات شعرك مثل المساء رقدن على الكتف، تهن حيارى
أحبك، ما كان عندي خيار وهل عند عينيك ألقى خيارا
لتبقى عذاباً لنا الذكريات وتدمي الفؤاد إذا الشوق ثارا
خروج أخير
هنا في ولاية وسط دارفور تباع الرغيفة الواحدة بمال جزيل ( بدون كلام كتير) والناس يبتاعونها أحيانا لأن غذائهم الرئيس مكون من العصيدة والكسرة ويعتبر الرغيف في بند الرفاهية ، ولكن الدجاج ( المركب )- ذو الطعم الخرافي- متاح للجميع ، وشية المناصيص ب( تراب القروش ) واللبن ارخص من ماء الشرب ، والزلابية العملاقة صباحا بشاي اللبن المقنن المقلي ، تغني عن الإفطار ، وعسل النحل ماركة ( كبنق ) يعيد الشباب لشيوخ التسعين عاما، وكل النساء سمهريات وجميلات ( بلا كريمات ) ولاتوجد بدينة إلا لماما، والناس بشوشون ويضحكون لأي شي والحياة ( رخية) كما يقول اهلنا الفور وكلمة السر في هذه المدينة وفي الولاية كلها وسائر ولايات دارفور كانت ( عافية.. عافية طيبين.. اتفضل لي قدام ) .. الا قاتل الله مشعلي الحروب وهازمي ملذات عباده من الطيبات، ورحم الله شاعرنا محمد سعد دياب في ذكرى رحيله التاسعة عشر ، واسكنه اعالي الجنان .

مقالات ذات صلة

إغلاق