Uncategorized
من أعلي المنصة ياسر الفادني قصة حلوة…. بلا نهاية !

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
قصة حلوة…. بلا نهاية !
تفيض كلمات السر أحمد قدور في هذه الأغنية بصدقٍ شفيف يلتقط أدق اهتزازات الحنين، وكأنه يكتب من قلبٍ لم يتوقف يومًا عن الخفقان لمن أحب، يتعامل قدور مع فكرة اللقاء الأول لا كذكرى عابرة، بل كلحظةٍ تتكرر في الذاكرة والخيال والوجدان (ألف مره)!، هذا التكرار ليس مبالغة شعرية فحسب، بل هو إيقاع العشق ذاته حين يتحوّل الحنين إلى زمنٍ دائري يعيد العاشق إلى نقطة البدء في كل لحظة، الكلمات تكشف حساسية شاعر قادر على الإمساك بالثواني الصغيرة التي تعيش بين المسافة واللهفة، بين البعاد الذي يزيد (غرامك) و(الليالي) التي تقول (كلامك)!
البناء الشعري يقوم على عاطفة هادئة ولكنها عميقة، تعبر عن عشقٍ راسخ لا يحتاج إلى صخب ليُصدّق، حتى اللغة تأتي بسيطة، دارجة، بلا تكلف، لكنها مشحونة بعمق التجربة الإنسانية: الحب الذي يسكن العين والقلب والداخل، الحب الذي يتحوّل إلى (قصة حلوة بلا نهاية)، هذا المزج بين البساطة والامتلاء هو سر جمال النص، فهو يترك مساحة واسعة للمستمع ليجد نفسه داخل الكلمات، كأنها تُروى عنه أو تُكتب له
أما لحن العاقب محمد حسن، فهو إمتداد طبيعي لهذا المناخ العاطفي، يُحسَبُ للعاقب أنه كان دائمًا يعرف كيف يحوّل الكلمة إلى إحساس، وكيف يجعل الجملة اللحنية مرآةً للنبرة الشعرية لا غلافًا لها ، في هذه الأغنية يظهر العاقب في أجمل حالات حساسيته: اللحن يتقدّم ببطء، كأنّه يخطو على أطراف أصابعه خشية أن يوقظ الجرح، وتستند الجمل الموسيقية إلى إيقاعٍ داخلي أكثر منه إيقاعًا سلطانيًا خارجيًا، كأن الموسيقى نفسها تعيش حالة الترقّب التي يعيشها العاشق، فتتماوج بين الهمس والتوق، بين السكون والإنسياب !
صوت العاقب هنا ليس مجرّد أداة أداء، بل هو حالة شعورية كاملة، فيه دفء الحضور ورقّة البعد، وفيه الشجن الذي يهيمن على الحنجرة عندما تنطق كلماتٍ مثقلة بالذكرى، ينجح العاقب في أن يمدّ كل كلمة بنَفَسٍ طويل، يمنحها مساحة لتتفتح عاطفيًا داخل أذن المستمع، وعندما يكرر (ألف مره) يخرج التكرار كصرخة مكتومة، لا يريد بها رفع الصوت بل تعميق الشعور، حتى يشعر السامع أن العاشق لا يطلب اللقاء بقدر ما يطلب الخلاص من شوقه المستمر
إني من منصتي أرى …. ان هذا التداخل بين شاعرٍ يرى العالم بعين الوجدان، وملحنٍ يستمع بعقله وقلبه لنبرة الكلمة، وفنانٍ يحمل التجربة كلها في صوته، جعل الأغنية رحلة داخل العاطفة البشرية، هي ليست مجرد قصة حب ، إنها لوحة مكتملة الألوان والظلال، تتدرّج فيها المشاعر مثل موجٍ هادئ يعود دائمًا إلى الشاطئ ذاته مهما إبتعد ولذلك تبقى هذه الأغنية واحدة من الأعمال التي تعلّمنا أن الموسيقى ليست ما نسمعه فقط، بل ما نعيشه في اللحظة التي نسمع فيها أن العاشق يريد اللقاء… (ألف مره) ! .


