Uncategorized

من أعلي المنصة ياسر الفادني دقريس… المكان الذي تَدفِنُ فيه المليشيا الناس وهم أحياء !

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

دقريس… المكان الذي تَدفِنُ فيه المليشيا الناس وهم أحياء !

في دقريس، لا تبدأ المأساة عند البوابة…
تبدأ حين يُغلق الباب، ويكتشف الإنسان أن اسمه لم يعد مهمًا، وأن حياته يمكن أن تُمحى بلا شاهد، وبلا سؤال

دقريس ليس سجنًا،
السجن يفترض قانونًا، وذنبًا، ونهاية عقوبة
أما دقريس، فهو فراغٌ من الرحمة، ومكانٌ صُمّم ليكسر الإنسان ببطء، حتى ينسى صوته، وملامحه، وحتى اسمه الذي نادته به أمه يوم وُلد

هناك، في غرب نيالا، تتكدس الأجساد كما تتكدس الأشياء المنسية
زنزانات ضيقة، أنفاس متداخلة، وجوع لا يُشبع، ومرض لا يجد يدًا تمتد
يموت البعض لأنهم مرضوا…
ويموت البعض لأنهم جاعوا…
ويموت البعض لأن الانتظار طال أكثر مما يحتمل الجسد

في دقريس، لا يُسمع الصراخ طويلًا.
الصوت يُهزم سريعًا، ويتحوّل الألم إلى صمت
صمت ثقيل، يشبه قبول الموت دون مقاومة، لأن المقاومة نفسها صارت ترفًا

المأساة أن كثيرين دخلوا دقريس بلا تهمة، بلا محاكمة، بلا وداع.
خرجوا إن خرجوا وقد تغيّر شيءٌ لا يعود:
النظرة، الثقة، الإحساس بالأمان.
وآخرون لم يخرجوا أبدًا…
تركوا أسماءهم معلّقة على الذاكرة، وأجسادهم غابت بلا قبور

دقريس ليس جرحًا في دارفور وحدها،
هو جرح في فكرة الوطن نفسها،
مكان يختبر إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يُهان،
وإلى أي حد يمكن للعالم أن يصمت

الأمهات لا يعرفن إن كان أبناؤهن أحياء أم أرقامًا
الأطفال ينتظرون آباءً قد لا يعودون.
والبلاد تمضي كأن شيئًا لم يحدث،
كأن الموت حين يكون خلف الجدران لا يُعدّ موتًا

إني من منصتي أنظر…. ثم أقول : سيأتي يوم تُروى فيه هذه الحكاية كاملة،
وسيُقال إن في السودان مكانًا اسمه دقريس،
لم يكن فيه المقصود العقاب…
بل كسر الإنسان حتى النهاية.

مقالات ذات صلة

إغلاق