رأي
متوكل طه يكتب بمداد الدموع : ورحل الزميل عيسي جديد
رحيل الصحفي عيسي جديد ومتاهة الأرواح كتب/ متوكل طه
في طريق شريان الشمال وأنا ذاهب للقرير لاابكى خالتى امونة تصفحت منتديات الصحافة السودانية وجاء خبر رحيلك
كنت أتعجب منك وانت تقرأ متاهة الأرواح وماتدرى أنه آخر كتاب تطالعه وتتحدث عن الشاعر المعري
الذي قال ذات يوم الحياة هي أرق يسبق النوم الطويل والنهائي:
«ضجعة الموت رقدة يستريح
الجسم فيها والعيش مثل السهاد».
ولا شيء يؤرق عيون الموتى إلا حزن أحبتهم عليهم، كتب محمود درويش الذي أخذته الغيبوبة إلى الموت وأعاده بكاء الحبيبة إلى الحياة:
مازلت أذكر كلمات الحبيب عيسى جديد وهو يرسل رسالة وداعية لأصحابه ورفقاء الدرب وكأنه قد أدرك أن الموت يحيط به إحاطة السوار بالمعصم تخيلته وهو يحدق في كباية شاى عند حليوة اويغشي برندة الوفاق ليشرب قهوة جميله في آخر لقاء به قلت له أن جميلة قد هاجرت الامارات وتركت السودان تأمل بعيد وكأنه
بحدق في عين الموت بعد ان ضاقت الحياة ولم يبقى فيها متسع إلا لخروج الروح من كوة الزمان الضيقة ياتري هل اغمض عيسي ودجديد عينه وهو يري شريط من زملاء المهنة بدءاً بالراحل حسن ساتى. وسبداحمد خليفة ومحمد طه وقد غادروا ، وكأنهم نيام، وعندما يحاولون فتحها ولا يستطيعون، يعرفون أنه صارت للموت عينان واسعتان كعيونهم. وعلى الضفة الأخرى يبحثون عن ثقب في جدار الموت، لينظروا من خلاله إلى الحياة كيف تمضي في غيابهم. هي العيون نافذة الروح والروح لا تفنى.
الحياة أنثى ياود جدبد ومن رحمها تولد الكلمات، والموت ذكر يروي سيرتها من فم التراب…أحببت تراب السودان واخترت
ترابها هو الحد الفاصل بين من يطأون وجهه أحياء، ومن يبنون تحته مدنهم ويبكون من وحشة المكان. ولكي نفهم معنى الحياة علينا نحن الأحياء أن نمضي وقتاً أكثر في المقبرة، فليس كل ما في المقبرة موتاً. فذلك الرخام الأبيض الذي يسقف الأموات به بيوتهم، ليس حجراً، ولا الأرقام المسجلة عليه مجرد تواريخ عابرة، فبين تاريخ الولادة وتاريخ الموت فاصلة… فاصلة هي الحياة كاملة.
ساعة الرمل
الحياة تنتهي مع سقوط الكلمة الأخيرة، التي هي أيضاً ذرة الرمل الأخيرة في الساعة.
وهكذا تمضي بنا الحياة مع الرمل، والموت يقضم أيامنا، وكأننا محكومون بالنقصان منذ البداية، أو كأن الحياة ما هي إلا طريق يأخذنا إلى موتنا. أما زمن الموت فلا يعرفه إلا الله، وحين يأتي، تسقط ورقة من شجرة تحت العرش فوق رأس من جاء دوره، وتكون ساعته قد حانت. كتب الشاعر أمل دنقل:
وريقة وريقة يسقط عمري من نتيجة الحائط
والورق الساقط يطفو على بحيرة الذكرى
فتلتوي دوائرا
وتختفي دائرة فدائرة.
«ما أهدأ الموت لولا بكاؤك
كتب الشاعر سميح القاسم بكل شجاعة، وهو على فراش الموت:
«أنا لا أحبك يا موت ولكنني لا أخافك
وأدرك أن سريرك جسمي وروحي لحافك
وأدرك أني تضيق عليَّ ضفافك».
لا شيء يحكم علاقتنا بالموت أكثر من الخوف، لأن الموت هو لغز الحياة الأكبر، وكل ما يجهله الإنسان يهابه.
الموت لا يؤلم الموتى بل الباقين على قيد الحياة… فغياب الأحبة في الحياة يشبه غياب الألوان عن الصورة
اليوم نبكي عليك ونتذكر وانت تثري صفحات الصحف بيراعك
،رحلت وكان الغياب فراقاً بلا عودة، تغيب الخطوط أيضاً، ويفتك الشوق بقلوب من كتبت عليهم الحياة في حضرة الغياب. وتأتي الكتابة كمحاولة لمخاطبة الغياب، واستقراءً للحزن المطمور بعيداً في الروح.
اللهم أن فقيد الصحافة عيسى جديد قد اتاك وهو يغالب أوجاع الرحيل فاغفر له وأسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء وأجبر مصاب أهله وذويه ياواسع الرحمة والمغفرة
متوكل طه يكتب: ورحل الزميل