رأي

سفر القوافي محمد عبد الله يعقوب ( ببكي وبنوِّح وبصيِّح للشوفتن بتريِّح ) ۔۔ فهل أنت معي !!

ذسفر القوافي
محمد عبد الله يعقوب
( ببكي وبنوِّح وبصيِّح للشوفتن بتريِّح ) ۔۔ فهل أنت معي !!

قبل سنوات وتجارة الغناء في أوجها وسوق الكاسيت في اعلى مؤشراته قال لي مدير شركة إنتاج فني بأن إلبومات البنات فقط هي التي تُباع لديه ولا أحد يبحث عن مطرب، صغيرا كان أم كبيرا من ماركة «أبو شنب».، فقلت : هل أعادت الأرض دورتها مرة أخرى وبدأت تكرر تاريخاً غابراً حين كانت النساء فقط هن اللائي يتغنين للفارس المقدام «شيَّال التقيلة» و«مُقنع الكاشفات» وحامي الحمى الشهم الكريم المطاع،أم أن شباب المطربين حادوا عن الدرب وخرجوا عن خارطة الغناء المعروفة والمحددة بالغزل الشفيف في المرأة أينما كانت، فأحست بفراغ رهيب حملت معه «دلوكة» حبوبتها وبدأت تغني لنفسها ولصورة رجل في ذاكرة التاريخ لم تبق من معالمه المتوارثة «شنب، صوت تخين- عيون حُمُر- عضلات وثبات» شيئا؟!ً. 
فليبك مدير شركة الإنتاج الفني هذا حتى يتحشرج صوته، وعليه أن ينوح أيضاً فبعض الشعراء في هذا الزمان قادوا باخرة الشعر العامي والفصيح إلى وحل الهبوط الأبدي، فعلقت هناك إلى غير رجعة. والعديد من النقاد ظلوا يحذرون من مغبة الظاهرة ولكن أحداً لم يحرك ساكناً، حتى اضطرت المرأة «الملهمة» لأن تقود قوارب النجاة هرباً من الوحل عبر أغنيات الدلوكة ذات الدلالات العظيمة والعميقة في تاريخنا الفني حتى تعيد التوازن بين الماء واليابسة.
وفي مكان غير بعيد وفي أضابير الغناء الشعبي التي كادت شمسها أن تغيب، ما زالت ثُلة من الآخرين يحاولون الولوج إلى «مسرح النفوس المتعبة» من نغمات هابط الغناء لتلفت إليهم الأمة السودانية المتعطشة للنغم والكلم الرنان ، علَّهم يعيدون الكرة إلى البدايات عبر «الفحولة» الكامنة في بوابات تاريخ الغناء السوداني المشبَّع بأدب الحماسة والنسيب الحُر والذي ما زال بعض « دعاة مساواة المرأة بالرجل » يرون فيه خروجاً عن الأدب لأنه يشرح جسد المرأة ويعرِّض بها. فماذا هم قائلون اليوم لجموع الشباب الذين شاركوها حتى في «البلوزة» و«الروج» بل في الإحساس أيضاً؟!.
غير أني ومعي جموع من الذين مازالت تعمل قلوبهم بدماء الأجداد العظماء والآباء الأبطال مازلنا نرى في رائعة الشاعر الكبير إبراهيم العبادي التي فتح بها طريقاً للغناء في غابات السودان الغارقة في الأدب الصوفي في عام 1919م نرى فيها بدراً فنياً يجب أن نحتفي ببذوقه كل شهر وهي رائعته الأولى «ببكي وبنوِّح وبصيِّح للشوفتن بتريِّح.. عِرق النقا المميِِّح منو العطر بفيِّح.. التوب شبك في التِّنََّة.. يا ناس إنحنا كِتِلنا».
وحتى لا تقتلنا أغنيات المقتبسين لأحاسيس النساء، نرجو من جميع شركات الإنتاج الفني أن تتجه إلى إتحادات الفنانين وحيشان الغناء الشعبي في اتحاده ودار فلاح وفي كل دوره بولايات السودان لتنتج لنا إلبومات غنائية يستمتع بها رجال السودان وناشئته ولتظل أغنيات الدلوكة فاكهة عزيزة من جميلات بلادنا تعيد إلينا توازننا النفسي على الدوام وتذكرنا بأن رأسمال رجال السودان فحولتهم التي تجبر «بخور الكبريت» أن يتصاعد من خدور الزوجات اقتناعاً وانتماء، وليذهب كل ماسح «جِل» أو «كريم» أو «روج» إلى الجحيم. 
خروج اول
في مارس من العام 2022 م جمعتني الصدفة بشيخ عرب داخل حافلة كوبر القادمة من السوق العربي وادّعى أنه صاحب أغنية (هل إنت معي) للفنان الراحل عبد العزيز محمد داؤود ، ومعلوم أن شاعرها هو المصري محمد علي أحمد ، فقال لي الشاعر الراحل محمد يوسف موسى رئيس اتحاد شعراء الأغنية آنذاك ( إن هذا الرجل مجنون ) ، ونوردها للقراء كاملة :
همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي
وخيالات الأماني رفرفت في مضجعي
وأنا بين ضلوعي لا أعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
وتوالت ذكرياتي عطرات بالهوى
كان لي في عالم الغيب غرام وانطوى
كان لي في الأمس أحلام وشوق وحبيب
كان للجرح طبيب لا يدانيه طبيب
كان ما كان وبتنا كلنا ناء غريب
سكر السمّار والخمّار في حان الغرام
وأنا الصّاحي أرى في النور أشباح الظلام
وغدت كأسي على راحي بقايا من حطام
عادني الوجد إلى ليلى وكأسي المترع
وسعير الحب يشقيني ويشقي مضجعي
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معي؟ 
خروج اخير
تمضي ايام رمضان سراعا ونحن في انتظار دعم سيادي او ولائي او ( محلياتي ) او ( خلا ساكت ) ولكنه لا يأتي ابدا ولعلنا سنظل نجتر آلام النزوح لوقت طويل ، ورمضان كريم ۔

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق