رأي

من أعلي المنصة ياسر الفادني المواصفات السودانية تكتب دورها بحبر الإرادة

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
المواصفات السودانية تكتب دورها بحبر الإرادة

في زمنٍ تطغى فيه لغة الحرب والانهيار، ويقف الوطن على حافة الرماد، تخرج بعض المؤسسات لا لتُغني عن السلاح، بل لتثبّت المعنى وتحمي ما تبقى من روح الدولة، هكذا تجلّت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، بقيادة الأستاذة رحبة سعيد عبد الله، في مشهد أداء عام 2024م، لا كمجرد هيئة فنية، بل كصوت وطني وضمير تقني، يُعيد ضبط بوصلتنا نحو الجودة، ويجعل من التقييس أداة مقاومة وبناء

مجلس الأداء الأخير لم يكن مجرد إجتماع إداري، بل كان إحتشادًا لروح المسؤولية، إلتقت فيه القيادات من الإدارات والقطاعات والفروع والأقسام، ليراجعوا ما مضى، ويخططوا لما هو آتٍ، بعينٍ لا تنظر خلفها كثيرًا، وقدمٍ لا تعرف التراجع، ومن قلب هذه اللحظة الوطنية، خاطبت الأستاذة رحبة الحضور بكلماتٍ حارة تنبض بالعزم والإيمان، مؤكدة أن الهيئة ليست مجرد مؤسسة، بل أسرة وطنية تحمل على عاتقها رسالة سامية: جودة الحياة لكل سوداني

قالتها بوضوح: “نحن بوابة السودان إلى العالم، ونحن عنوان المواصفة، ونحن أحد أعمدة الأمن القومي”. لم تكن كلماتها ترفًا إنشائيًا، بل نداء صريحًا لإطلاق المبادرات، ولرفع الهمة، وتحويل الهيئة إلى رافعة للتنمية في سودان ما بعد الحرب، رغم كل الخسائر، ورغم التشظي في البنية التحتية والفنية

ولم يفتها أن تشيد بالعاملين، الذين وصفتهم بأنهم “نسور الهيئة” و”مشغّلوها” الحقيقيون، معتبرة أن بركة هذا العمل لا تأتي من الموارد، بل من الإخلاص، ومن أن الرسالة التي يحملونها تمس الكليات الخمس، وتحمي النفس البشرية، في بلد صار حفظ الحياة فيه إنجازًا بحد ذاته

أما التوصيات التي خرج بها المجلس، فقد بدت كخارطة طريق جادة، واقعية ومُلهمة، من إنفاذ الترقيات، والوفاء بحقوق المعاشيين، والاهتمام بالصحة، إلى مراجعة الهيكل التنظيمي، وتفعيل أنشطة دمغ المصوغات الذهبية، واستكمال مشروع علامة الجودة، لم تترك الهيئة شاردة إلا أحصتها، من رقمنة الخدمات إلى صون أراضي الدولة، ومن تعزيز ثقافة التقييس إلى تقوية آليات حماية المستهلك إعلاميًا

ما يلفت النظر هنا ليس حجم التوصيات، بل الروح التي كُتبت بها. روح تقول إن هذه الهيئة تعرف ما تفعل، وتعي دورها، وتبني بثقة لا تُهزم، لا تبحث عن التصفيق، بل عن التأثير، لا تنتظر الطوارئ، بل تصنع الحلول

وفي زمن تُهدم فيه المؤسسات العامة، وتُصاب الإدارات في مقتل، يحق لنا أن نشير بفخر إلى هيئة ما زالت واقفة، تنظم صفوفها، وتُعيد بناء عقل الدولة من جديد، الأستاذة رحبة لم تكن مجرد مدير عام يلقي خطاب ختام، بل كانت صوتًا وطنيًا يعرف حجم المسؤولية، ويزرع الأمل في أرض ملوثة بالرماد

إن الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس اليوم لا تصدر معايير فقط، بل تصدر موقفًا، تقول للعالم إن السوداني، رغم الألم والانكسارات، ما زال يملك عقلاً تنظيمياً، وسلوكاً مؤسسياً، ومشروعاً حضارياً اسمه: الحياة بجودة

إني من منصتي انظر …. حيث أقول…. : نعم، ليست كل المعارك تُخاض بالبندقية ، بعض المعارك تُخاض بالضمير، وبعض الانتصارات تبدأ من غرفة اجتماعات تُناقش مواصفة… لتصبح المواصفة نفسها، عنوانًا للسيادة .

مقالات ذات صلة

إغلاق