رأي

من أعلي المنصة ياسر الفادني في السودان رجال لايموتون إلا واقفين

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
في السودان رجال لايموتون إلا واقفين

أم صميمة لم تكن يوماً مجرد رقعة جغرافية على خارطة الوطن… لقد صارت معنى، صارت مقامًا من مقامات الكبرياء، وصارت في الوجدان مثلما تكون الحناجر في معركة المصير، هناك حيث لا مساحة للهزيمة، وقف أبناء الجيش السوداني في وجه الريح، وفي عيونهم حكاية لا تكتبها الأقلام، بل ترويها الدماء الزكية التي تعمدت بها تربة أم صميمة

هناك… ارتقى الشهداء، لا بأجسادهم فقط، بل بمعانيهم، لو تأملت وجه كل شهيد من شهداء أم صميمة، لرأيت فيه الوطن نفسه ، لرأيت السودان في هيئة رجلٍ رفض الركوع، وعينٍ لا تعرف الخوف، وقلبٍ ينبض بشيءٍ أغلى من الحياة: الكرامة

شهداء أم صميمة ليسوا مجرد أسماء تُدوَّن، بل هم سطور من نور على صفحة التاريخ، إنهم الذين كتبوا بالنار والدم أن هذا الوطن لا يموت، لا يُقسم، لا يُهان، إنهم من قالوا لأحفادهم قبل أن يُغمضوا أعينهم: نحن جدار هذا البيت فإذا تهدّم الجدار سقط السقف على رؤوس الجميع

لكننا، نحن الأحياء، نُتقن النسيان أكثر مما نُتقن الوفاء، ننشغل بمن عُيّن ومن أُقيل، نغرق في الجدل الصغير وننسى الجبل الذي وقف ليحمينا، ننسى أنهم ماتوا ليحيا الوطن، وأنهم افتدونا بأعمارهم كي نستمر نحن في الحلم

شهداء الكرامة كلهم عظماء، لكن من سقطوا على تراب أم صميمة كانوا النخبة من بين النخبة، الصفوة من بين الخيار ، وأم صميمة اليوم ليست فقط مكاناً، بل صارت مقاماً وطنياً يجب أن يُروى، أن يُدرَّس، أن يُحفر في ذاكرة كل جيل قادم

اللعنة على من أشعل نار هذه الحرب، على من أيتم أطفالاً ورمّل نساء، على من لوّث الوطن بدماء أهله، على من فرّق فمزّق، وخان فقتل. لعنة على من جعل أم صميمة تئن… لكنها لم تنكسر

إني من منصتي…. أقول….. سجّل يا تاريخ، هنا سقط الرجال كالنجوم، لا تنطفئ بل تضيء ظلمة الطريق، وهنا كتبت أم صميمة بالدم ما عجز الحبر عن قوله: (في السودان رجال… لا يموتون إلا واقفين) .

مقالات ذات صلة

إغلاق