رأي
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب المهدي والترابي والميرغني والشعراء الفحول .. و( أظنك يا بلد محسود ) !!

سفر القوافي
محمد عبدالله يعقوب
المهدي والترابي والميرغني والشعراء الفحول .. و( أظنك يا بلد محسود ) !!
ثلاثة من الشعراء العرب كانوا قد ملأوا الدنيا صوتا وصيتا وشغلوا الناس وحببوهم في الشعر حتى الذين لايهضمونه ولا يبلعون له ريقا ، وثلاثتهم عاشوا في عصر واحد ورحلوا في سنوات متقاربة ، حتى أنك لاتذكر أحدهم حتى تذكر أخويه ، أو كحالنا في السودان ( السياسي) قبيل الحرب ، فنحن لدينا ثلاثي مشابه لهؤلاء الشعرا الفحول ولكنهم من أهل السياسة والدين معا ، وكل منهم إمام لجماعته وزعيم لحزبها السياسي ، ودونه لاتعقد شورى ولا يعقد لواء ، بل كل واحد من ثلاثتنا السودانيين ، قد ملأ الدنيا صيتا وشغل الناس ومازالوا وثلاثتنا هم الدكتور الراحل الشيخ حسن عبدالله الترابي زعيم الإسلاميين، والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الختمية، والإمام الراحل الصادق المهدي زعيم لأنصار .
ثلاثتنا عرفوا كنه السياسة ولهم أحكام قطعية في المعاملات الإسلامية والفقه وعرفوا بكرم وكريم الأخلاق ، ولم تشيبهم شائبة ولم تقعد بهم نائبة و(منهم قضى ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا ) صدق الله العظيم .
ولكن الثلاثة الفحول من الشعراء العرب ، وهم جرير والفرزدق والأخطل كانوا في عراك دامي ( لغوي) حتى المممات ويقول عنهم الاستاذ الباحث رضوان حسن عبد الحليم ” توقفتنى نقائض جرير و الفرذدق و الأخطل و التى عاودت قرائتها بعد ربع قرن من الزمان و أكثر،والفرذدق هو أبوفراس همام بن غالب التميمى أحد فحول الشعراء الأسلاميين نشأ بين البصره و الباديه يروى الشعر و يعالجة حتى نبغ فيه و اتصل بولاة العراق يمدحهم و يهجوهم ورحل ألى دمشق و مدح الخلفاء وقد أشتبك مع جرير فى التهاجى و الأفتخار بالأنساب حتى شغلا الناس بنقائضهما و مات سنة114 من الهجرة ” و يقول الفرذدق مفاخرا مفتخرا على غريمه جرير :
أن الذى سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز و أطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى حكم السماء فأنه لاينـــقل
بيتا زرارة محتب بفنائه و مجاشع و أبو الفوارس نهشل
يلجون بيت مجاشع وأذا أحتبوا برزوا كأنهم الجبال المثل
ألى أن يقول
حلل الملوك لباسنا فى أهلنا و السابغات الى الوغى تتسربل
أحلامنا تزن الجبال رزانة و تخالنا جنا أذا ما نجهل
يابن المراغه أين خالك أننى خالى حبيش ذو الفعال الأفضل
خالى الذى غصب الملوك نفوسهم و أليه كان حباء جفنة ينقل
أنا لنضرب رأس كل قبيلة و أبوك خلف أتانه يتقمل
فرد عليه جرير برائعة جميله من نفس الوزن و القافيه، وجرير هو أبو حزره جرير بن عطيه بن الخطفى من يربوع من تميم كما ينتسب الفرذدق الى تميم أيضا وقد ولد باليمامه و نشأ فى الباديه يأخذ الشعر عن أسرته و غيرها وتقرب ألى الولاة و الخلفاء يمدحهم وينال عطاياهم حتى اشتبك مع الفرذدق والأخطل فى هذه النقائض التى شغلت الناس فى الماضى وقد مات يعد الفرذدق بقليل، رد بقوله:
لمن الديار كأنها لم تحلل بين الكناس و بين طلح الأعزل
و لقد أرى بك والجديد ألى بلى موت الهوى و شفاء عين المجتلى
و لقد ذكرتك والمطى خواضع وكأنهن قطا فلاة مجهل
حتى يقول :
أعددت للشعراء سما ناقعا فسقيت أخرهم بكأس الأول
لما وضعت على الفرذدق ميسمى وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
أخزى الذى سمك السماء مجاشعا و بنى بنائك فى الحضيض الأسفل
بيتا يحمم قيـنـكم بـفـنـائـه دنسا مقاعده خبيث المدخل
و لقد بـنـيت أخس بيت يـبـتـنى فهدمت بيـتكم بمثـلى يذبل
ألى أن يقول
أحلامنا تزن الجبال رزانة و يفوق جاهلنا فعال الجهل
فارجع ألى حكمى قريش أنهم أهل النبوة و الكتاب المنزل
أن الذى سمك السماء بنى لنا عزا علاك فما له من منقل
أما الاخطل فقد كان شاعرا مجيدا ولكنه كان تابعا للفرزدق وهذه الخصلة جعلته بلا رأي وكان كثير الهجاء للناس دون أن يعرفهم ، فقط حينما يقبض ثمن ابيات شعره المشتعلة ليحرق بها من أراد شاريها ان يحرق .
أما ثلاثتنا ، فلم يحتربوا بالهجاء ولكنهم بما عاشوه وعايشوه في المعترك السياسي جعل منا نحن أهل السودان ” شعب يتنفس السياسة ” .
خروج أخير
كل ما يصيبنا عطل في الكهرباء او داء لاعلاج له يضرب أهل السودان في جميع اصقاعه ، او نقص في الغذاء في بعض مدن وقرى وفرقان بلادنا الشاسعة الواسعة ، أو يعاود الجنحويد الهجوم على بؤساء الفاشر العزل، او ترفع المدارس والجامعات والمدارس رسومها الفلكية مرة تلو الأخرى، تجول بخاطري قصيدة الشاعر الفذ الطيب ابوعوة ( أظنك يا بلد محسود ) .


