رأي

تحقيق التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي في ظل الراهن بعد حرب السابع من أكتوبر عميد ركن محمد المرتضى الشيخ عبدالله أكاديميـــة نميــــــــري العسكريــــة العليا

تحقيق التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي في ظل الراهن بعد حرب السابع من أكتوبر

عميد ركن محمد المرتضى الشيخ عبدالله
أكاديميـــة نميــــــــري العسكريــــة العليا

مقدمة
1. التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي لم يعد عبارة عن توازن ثنائي أو سباق تسليح تقليدي، بل هو مزيج ديناميكي من قدرات عسكرية، تحالفات سياسية، قوة اقتصادية، نفوذ ديني وثقافي، وتأثيرات قوى عظمى خارجية،أي محاولة لإعادة ترتيب أوراق المنطقة يجب أن تبدأ بفهم هذه المركبات والعمل على بناء مزايا نسبية مستدامة بدل ردود الفعل الانعكاسية.

2. تحقيق التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي في ظل الراهن بعد حرب السابع من أكتوبر يمثل قضية محورية ومصيرية للأمة، لقد شكلت هذه الحرب منعطفاً تاريخياً، ليس فقط في موازين القوى العسكرية مع العدو الصهيوني، ولكن أيضاً في الوعي الجيوسياسي والإستراتيجي للأمة.

الواقع الراهن — قراءة موجزة للمعطيات (الوقائع الأساسية)

3. تحولات تحالفية كبيرة. شهد العامان الأخيران توقيع اتفاقيات وتحركات استراتيجية غير تقليدية بين دول إقليمية وإسلامية، منها مبادرات دفاعية وعسكرية مشتركة تُعيد رسم مساحات النفوذ. مثال بارز—اتفاقية دفاعية بين السعودية وباكستان التي أوضحت أن الرياض تبحث عن «درع استراتيجي» عبر شراكات إقليمية.

4. أزمة السودان كعامل اضطراب إقليمي. استمرار الصراع السوداني واضطراره للتسوية أصبح مسألة ذات أثر إقليمي مباشر، ودول كبرى إقليمياً ودولياً تدخلت بصيغ دبلوماسية ومحاولات تسوية (خريطة طريق قدمتها رباعية: الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر). استمرار الاضطراب في السودان يقلل قدرة المحور العربي/الإسلامي على التماسك الاستراتيجي.

5. تصاعد الخطاب عن وحدات دفاعية عربية وإسلامية مُنسقة. طرح تأثيري لفكرة (تعاون عسكري عربي موحد) وعودة مبادرات لتنسيق العتاد والتدريب وتبادل الاستخبارات، كردّة فعل على تراكم التهديدات الإقليمية المصنفة (إيران، إسرائيل، قوى خارجية)، ولكن الفجوة بين الطرح السياسي والقدرة التنفيذية لا تزال كبيرة.
6. تدخلات وشد وجذب دولي. الحضور الأميركي، الروسي، التركي، والإيراني، وكل قوة تستثمر أوراق نفوذ (من علاقات أمنية إلى استثمارات اقتصادية)، ما يجعل المجال الاستراتيجي ساحة تنافسية متعددة الأبعاد.

7. هذه الوقائع تشكل القاعدة الواقعية التي نبني عليها استراتيجيات التوازن.

نقاط الضعف والقيود (المشاكل الواقعية) في التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي

8. ضعف الرؤية الاستراتيجية الجامعة.
‌أ. غياب الإطار الفكري المشترك. لا توجد عقيدة أمن إقليمي موحدة تحدد التهديدات والأولويات. كل دولة تعرّف أمنها القومي بمعزل عن الأخرى.
‌ب. التخبط في الأهداف. بعض الدول ترى الخطر في الإرهاب، أخرى في النفوذ الإيراني، وثالثة في الأزمات الاقتصادية — ما يجعل التنسيق صعباً.
‌ج. التحالفات الظرفية. غالباً ما تُبنى التحالفات كردّ فعل لأزمة، لا كخطة استباقية، مما يفقدها العمق والدوام.
‌د. التأثير. غياب (عقيدة مشتركة) يجعل القرارات الأمنية والدبلوماسية تتصادم بدل أن تتكامل.

9. فجوة القدرات بين الدول.
‌أ. تفاوت الموارد العسكرية والاقتصادية. الفجوة بين دول تملك تكنولوجيا وتسليحاً متقدماً (مثل السعودية وتركيا) وأخرى ما زالت في طور إعادة بناء مؤسساتها (مثل السودان واليمن).
‌ب. غياب التصنيع العسكري المحلي. الاعتماد على الاستيراد يجعل القرار الاستراتيجي مرهوناً بالموردين الكبار.
‌ج. اختلاف في منظومات التدريب والقيادة. لا توجد معايير موحدة للتشغيل أو إدارة الأزمات.
‌د. التأثير. أي مشروع دفاعي مشترك يصبح هشّاً عندما تختلف مستويات الجاهزية والقدرات الأساسية.

10. الاعتماد المفرط على القوى الخارجية.
‌أ. محدودية الاستقلال الاستراتيجي. معظم الدول العربية والإسلامية ترتبط أمنياً بمظلات غربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا) أو شرقية (روسيا، الصين).
‌ب. ضغوط سياسية مشروطة. المساعدات أو صفقات السلاح غالباً ما تأتي بشروط سياسية تمس القرار السيادي.
‌ج. غياب بدائل تمويل ذاتي. عدم وجود (بنك استراتيجي إقليمي) يجعل التمويل مرهوناً بالمؤسسات الغربية.
‌د. التأثير. أي تصعيد دولي أو خلاف مع الموردين يمكن أن يشل القدرات الدفاعية فوراً.

11. الأزمات الداخلية والصراعات الأهلية.
‌أ. نزيف الموارد. الحروب الداخلية (في السودان، سوريا، اليمن، ليبيا) تستهلك رأس المال المالي والبشري، وتستدعي تدخلات خارجية.
‌ب. تآكل شرعية الدولة. ضعف المؤسسات الرسمية يُضعف الموقف التفاوضي الإقليمي.
‌ج. غياب الثقة بين الشعوب والحكومات. يجعل الجبهات الداخلية هشّة، ويحد من القدرة على الحشد الوطني لأي مشروع تكاملي.
‌د. التأثير. الداخل غير المستقر لا يمكن أن يساهم في توازن خارجي مستدام.

12. الانقسام الإعلامي والذهني.
‌أ. تضارب السرديات الإعلامية. الإعلام العربي والإسلامي منقسم أيديولوجياً وسياسياً، مما يضعف القدرة على بناء وعي جمعي.
‌ب. غياب منصة استراتيجية إعلامية وحدوية. لا توجد قناة أو شبكة تقود خطاباً وحدوياً أو تصوراً مشتركاً للأمن والتنمية.
‌ج. التضليل والمعلومات المغلوطة. تجعل الرأي العام مضاداً للتكامل بدلاً من دعمه.
‌د. التأثير. الوعي الجمعي المنقسم يفرّغ أي مبادرة مشتركة من قوتها المعنوية.

13. البيروقراطية وضعف التنسيق المؤسسي.
‌أ. غياب مؤسسات دائمة للتخطيط المشترك. معظم اللقاءات الإقليمية تنتهي ببيانات لا تُترجم إلى خطط تنفيذ.
‌ب. ضعف نظم المتابعة والتقييم (M&E). لا توجد مؤشرات أداء استراتيجية لقياس مدى نجاح المبادرات.
‌ج. المركزية المفرطة. بطء اتخاذ القرار بسبب غياب تفويض حقيقي داخل المنظمات الإقليمية (كالجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي).
‌د. التأثير. القرارات تتخذ ببطء، تفقد الزخم، وتتحول إلى مجرد حبر دبلوماسي.

14. المنافسة البينية على النفوذ.
‌أ. سباق الزعامة الإقليمية. بعض الدول تتعامل مع التكامل كتهديد لدورها القيادي، مما يولّد تنافساً أكثر من تعاون.
‌ب. تضارب الأجندات الاقتصادية والسياسية. مشاريع الطاقة، الموانئ، التحالفات مع القوى الكبرى وكلها ساحات تنافس بدل تنسيق.
‌ج. غياب آلية لتوزيع الأدوار والمصالح. ما يجعل كل مبادرة جديدة ساحة مساومة.
‌د. التأثير. غياب الثقة بين مراكز القوى يؤدي إلى “توازن سلبي” — لا حرب ولا شراكة.
15. غياب رأس المال البشري المؤهل.
‌أ. ضعف التعليم العسكري–الاستراتيجي المشترك. الأكاديميات العربية والإسلامية تعمل بمعزل عن بعضها.
‌ب. قلة الكوادر المتخصصة في التحليل الجيوسياسي والاقتصاد الدفاعي.
‌ج. هجرة العقول إلى الخارج. ما يحرم المنطقة من خبراتها في التحليل والتخطيط.
‌د. التأثير. غياب العقل الاستراتيجي الإقليمي يعني أننا نستهلك الأفكار بدل أن ننتجها.

16. الخلاصة التحليلية. إن التوازن العربي–الإسلامي يعاني من (عطب بنيوي مزدوج) داخليّ مؤسساتي وخارجيّ هيكلي، فالخلل الحقيقي ليس في غياب القوة، بل في تشظّي الإرادة، وضعف التنسيق، وغياب الوعي الجمعي بالأولويات، بمجرد أن تُبنى (منظومة قرار مشتركة ورؤية أمنية جامعة)، تتحول معظم هذه النقاط من نقاط ضعف إلى فرص نهضة استراتيجية.

مرتكزات تحقيق التوازن الاستراتيجي العربي والاسلامي (العناصر المحركة)

17. لتحقيق هذا التوازن في المرحلة الراهنة، لا بد من مقاربة شاملة تقوم على عدة ركائز أساسية:
‌أ. أولاً: توحيد الصف والخطاب السياسي.
(1) تنسيق المواقف الدبلوماسية. يجب العمل على بناء منصة سياسية موحدة للدول العربية والإسلامية في المحافل الدولية من خلال قدرة الدول على تشكيل تحالفات مرنة (hub-and-spoke alliances)، تتبنى رواية واحدة وصياغة رؤية إقليمية مشتركة.
(2) إحتواء الخلافات الداخلية. عبر آليات الحوار والوساطة تحت مظلة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، للحد من التأثير السلبي للانقسامات على الملفات المفصلية والقضايا المصيرية للأمة.
(3) مواجهة التطبيع بشكل استراتيجي. إعادة تقييم سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني في ضوء ما كشفت عنه الحرب من طبيعته العدوانية والعنصرية، وتحويلها من قرارات فردية إلى استراتيجية جماعية تخدم القضية المركزية للأمة.
‌ب. ثانياً: تعزيز الأمن القومي المشترك والتكامل العسكري.
(1) تطوير الصناعات العسكرية المشتركة. إنشاء كيانات صناعية دفاعية عربية وإسلامية تعتمد على التمويل المشترك والخبرات المحلية لتقليل الاعتماد على الخارج وتأمين الاحتياجات الدفاعية.
(2) إنشاء تحالفات دفاعية فاعلة. تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك القائمة (مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك) وتحويلها من نصوص نظرية إلى آليات عمل فورية، مع استكمالها بتحالفات إقليمية أوسع تضمن ردعاً جماعياً.
(3) تبادل الخبرات والتدريبات المشتركة. تعزيز القدرات القتالية عبر تدريبات عسكرية مشتركة منتظمة وتبادل الخبرات في مجالات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والحرب الإلكترونية.
‌ج. ثالثاً: تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسيادي.
(1) الأمن الغذائي والمائي. استثمار الأراضي والموارد المالية العربية والإسلامية في مشاريع زراعية مشتركة ضخمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية وتأمين الموارد المائية.
(2) التكامل المالي والتجاري. تعزيز التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية، وإنشاء سوق إسلامية مشتركة، وتطوير أنظمة دفع مالي موحدة لتقليل التبعية للأنظمة المالية الغربية.
(3) الطاقة كأداة استراتيجية. توحيد سياسات الطاقة (النفط والغاز) للدول المنتجة وتحويلها من أداة للربح الفردي إلى رافعة للضغط السياسي والاقتصادي لخدمة المصالح العليا للأمة.
(4) الاستثمارات العابرة للحدود. (الاستثمارات السعودية/الخليجية في باكستان/أفغانستان/أوكرانيا سابقاً كنموذج)، وسلاسل الإمداد الاستراتيجية.
‌د. رابعاً: بناء القوة الناعمة وتحرير العقول.
(1) دعم الإعلام المستقل. تطوير منصات إعلامية عربية وإسلامية مستقبلية وقوية قادرة على مواجهة الآلة الإعلامية الصهيونية والغربية، وصياغة الرواية الخاصة بالأمة ونقل الحقيقة للعالم.
(2) تعزيز الهوية الثقافية. حماية الهوية العربية والإسلامية من محاولات التغريب والتفكيك، من خلال دعم التعليم واللغة العربية والفنون الأصيلة.
(3) تحرير الفكر من التبعية الفكرية. تشجيع البحث العلمي والتفكير النقدي ومراجعة المناهج التعليمية لتعزيز قيم السيادة والاستقلال ورفض التبعية.
‌ه. خامساً: استشراف المستقبل والتفوق التكنولوجي.
(1) الاستثمار في البحث العلمي والتطوير. تخصيص نسبة ثابتة من الناتج المحلي للدول العربية والإسلامية للبحث العلمي في المجالات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقات المتجددة.
(2) بناء البنية التحتية الرقمية الموحدة. تطوير شبكات اتصالات وبيانات آمنة ومستقلة لحماية الخصوصية والسيادة الرقمية للأمة.
(3) استقطاب الكفاءات والعقول. إنشاء برامج لاستقطاب العلماء والمخترعين والمهندسين من أبناء الأمة في الخارج وتوفير البيئة المحفزة لهم للعمل في ديارهم.
المأمول — رؤية إستراتيجية متقدمة وطُرق تنفيذ عملية (خطة عمل بـ 6 محاور)

18. من قبيل الرأي الحازم لا توجد (مفاجآت استراتيجية) فالتوازن الاستراتيجي يُبنى عبر أدوات بنيوية ومؤسسية، ليس فقط عبر صفقات سريعة، بل هو نتاج لتحرك استراتيجي ذكي وعليه يمكن بناء هذه الرؤية على الآتي:
‌أ. إطار تعاون أمني إقليمي مرن (Flexible Security Architecture). بتشكيل «منصة أمان إقليمي» تضم دولاً أساسية على مراحل (core + partners)، تركز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، تدريبات مشتركة، وإدارة أزمات، لا تبدأ بقوة عسكرية موحدة كاملة؛ ابدأ بشبكة تبادل استخباراتي وعمليات إنسانية مشتركة لتعزيز الثقة.
‌ب. منظومة دفاعية صناعية مشتركة (Defense Industrial Base). مشروع مشترك لتوطين قطاعات لوجستية وحيوية (قطع غيار، صيانة، طائرات بدون طيار، أنظمة اتصالات)، بنموذج تمويل بنيوي (Sovereign funds + private sector PPPs) لخفض الاعتماد على الخارج.
‌ج. بنك استراتيجي للاستثمار في الاستقرار (Strategic Stability Fund). صندوق إقليمي يمول مشاريع بنية تحتية وقائية في الدول المعرضة للانهيار (مثال: برامج إغاثة وبُنى تحتية في السودان) لخفض المخاطر الأمنية. دعم الرباعية لبعض المبادرات مؤشر لضرورة التمويل المشترك.
‌د. دبلوماسية إقليمية فاعلة (Active Regional Diplomacy).
(1) إيجاد آليات حل خلافات سريعة وإزالة التضارب (deconfliction) مع جداول زمنية مصحوبة بسلطة تنفيذية مشتركة لمنع تأزيم الأزمات.
(2) الاستثمار في الوساطة بتعظيم دور دول وسيطة (قطر، تركيا مثلاً) معترف بها بحيث يجب أن تُدمج كقنوات شرعية.
‌ه. استراتيجية ناعمة (Soft Power & Legitimacy).
(1) مشروع إعلامي-ثقافي عربي-إسلامي يعيد بناء السرد، يركّز على اقتصاد المعرفة، التعليم، وبناء رأي عام يدعم التعاون الاستراتيجي بدل الصراع.
(2) استخدام منصات رقمية لإشراك الشباب (Gen Z) — لأنهم المستقبل وشرعية أي توازن تعتمد على الأجيال الجديدة.
‌و. آليات الضمان والشفافية (Confidence-Building Measures). ايجاد وتفعيل اتفاقيات شفافية حول الصفقات العسكرية، مذكرات نوايا اقتصادية، ومنصات تبادل خبرات تقنية وقانونية (مثل قواعد استخدام القوة السيبرانية والبحرية).

توصيات عملية — خطوات قابلة للتنفيذ الآن (Quick wins)

19. عقد قمة أمن إقليمي طارئة بمبادرة من مجموعة دول محورية (مصر، السعودية، تركيا، باكستان/إندونيسيا كـ partners) لوضع ميثاق أولويّات: مكافحة الإرهاب، حماية الممرات البحرية، وإدارة أزمات لاجئين.

20. إطلاق مشروع تجريبي لصيانة الطائرات واللوجستيات المشتركة بين دولتين أو ثلاث (pilot project) لبناء الثقة الصناعية.

21. تقديم حزمة تمويلية طارئة للسودان تحت مظلة إقليمية-دولية تُوجّه مباشرة إلى خدمات أساسية لتثبيت الأمن الإنساني( الأمن الاستراتيجي يبدأ من استقرار المواطن).

الخاتمة

22. إنَّ تحقيق التوازن الاستراتيجي العربي والإسلامي لم يعد ترفاً سياسياً أو شعاراً وحدوياً، بل أصبح ضرورة وجودية في ظل بيئة دولية متقلبة وصراعات إقليمية تتسارع إيقاعاتها. الواقع الراهن يكشف عن فجوة واضحة بين الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الدول العربية والإسلامية من موارد بشرية واقتصادية وجغرافية، وبين قدرتها المحدودة على تحويل هذه المقومات إلى قوة استراتيجية متماسكة، تتجلى التحديات في غياب الرؤية المشتركة، وتفاوت القدرات العسكرية والاقتصادية، واستمرار الاعتماد على القوى الخارجية، إلى جانب أزمات داخلية متكررة تعيق التكامل، مع ذلك يبقى في قلب هذا الواقع طاقة كامنة يمكن أن تتحول إلى قوة توازن فاعلة إذا ما تمت إعادة هندسة العقل الاستراتيجي العربي والإسلامي على أسس التكامل والتخصص لا التنافس.

23. المأمول هو الانتقال من مرحلة ردّ الفعل إلى الفعل الاستراتيجي، عبر بناء منظومة تعاون أمني واقتصادي وصناعي ودبلوماسي مرن يقوده وعي سياسي مؤسسي جديد يؤمن بأن الأمن والاستقرار لا يُشترى من الخارج، بل يُبنى من الداخل، التوازن المنشود لن يتحقق إلا بامتلاك مشروع عربي/ إسلامي متكامل يربط القوة الصلبة بالناعمة، ويحوّل الموارد إلى نفوذ، والاختلافات إلى تنوّع منتج، عندها فقط يمكن للمنطقة أن تنتقل من موقع المتأثر بالتحولات إلى موقع صانع المعادلات في النظام الدولي الجديد.

مقالات ذات صلة

إغلاق