Uncategorized

سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب قالوا لا .. لإعادة كتابة تاريخ السودان .. وانتهجوا التحليل والتحقيق ولملمة المنسي منه !!

سفر القوافي
محمد عبدالله يعقوب
قالوا لا .. لإعادة كتابة تاريخ السودان .. وانتهجوا التحليل والتحقيق ولملمة المنسي منه !!

قبيل نهاية فعاليات المقهي الثقافي بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب في العام 2018 م عقدت ندوة “تاريخ – ومناهج المؤرخون السودانيون”، رصد مضابطها الزميل الأديب أحمد عوض خضر والرائعان أنور عبد الرحمن السادات وحاتم الأمين داموس ، وشخصي الضعيف ، وتحدث في الندوة( الغدوة) ، كل من الدكتور حسن عابدين والأستاذ غسان على عثمان والأستاذ علاء عوض عثمان.
وتحدث في بداية الندوة الدكتور حسن عابدين والذي إبتدر بالقول : تناولنا في سلسلة من المقالات تحت عنوان: “تاريخ كتابة تاريخ السودان” ما كتب وما لم يكتب وكيف، ومن تناوله من المؤرخين السودانيين والأجانب؟ وما دون منه ونشر، وماهي الفجوات والموضوعات التي أهملها المؤرخون في التاريخ الحديث والمعاصر وخاصة التاريخ الاجتماعي والثقافي: والذي يعني تاريخ الحياة اليومية للإنسان السوداني وما يعتمل تحت سطحها وفوقها وسيرة الفكر والمفكرين والابداع والمبدعين والأدب والاُدباء ….الخ. وهذه. فجوات في المعرفة التاريخية تقاصر عن سدها وتجسيرها التأليف والمؤلفون الا من بحوث أكاديمية متنوعة ظلت قابعة طي الأضابير منها مئات من رسائل الماجستير والدكتوراه التي لم تنشر بعد.
أفردنا مقالين من السلسلة للتاريخ الشفاهي وما يعتوره ويعلق به من شوائب الطمس والتشويه لغرض في نفوس الرواة حينا ولتهالك ذاكرة الانسان والنسيان اثناء تناقل الروايات من جيل لجيل آخر احيانا احيانا وهذا يتطلب من المؤرخ اعمال منهج تحقيق الروايات الشفاهية ل” الغربلة ” والتنقية حتي الوصول الي جذر واصل الحقيقة.
مضي الدكتور حسن عابدين الى القول : ولقد اشرنا في مفتتح السلسلة الي ما ظل يتردد بين الحين والآخر من نداءات سياسية وتوجيهات من حكوماتنا المتعاقبة بإعادة كتابة تاريخ السودان باقلام سودانية لتصحيح وتصويب ما كتبه المستعمرون والمستشرقون والرحالة والمبشرون، والأكاديميون الأجانب.
وقال عابدين: الا انني ارتاب احيانا واتوجس خيفة من مثل هذه النداءات ” السياسية ” خشية تحوير ولي عنق الحقائق لتضخيم وتقديس الذات الوطنية واصطناع الأبطال والبطولات و ” تاليه ” القيادات والشخصيات التاريخية !!
وأشار الدكتور حسن عابدين المؤرخ والسفير السابق إلى إن المقدس الأوحد في التاريخ هو الحقيقة اما تفسيرها فهو اجتهاد حر ومطلوب حول لماذا وكيف والنتيجة وتداعياتها ؟ أما وإن أريد بنداء اعادة قراءة التاريخ وتفسيره وسد الثغرات والفجوات في ضوء فرضيات جديدة ، ووثائق جديدة وتقنيات حديثة للبحث العلمي فلا غبار علي هذا اذ هو من أركان واصول البحث، وأضاف إن التاريخ سجل للماضي والمؤرخ يسجل ويوثق ما حدث .. لايصنعه او يضيف اليه ما لم يحدث ، وتستلزم كتابة التاريخ وتفسيرالاسباب والدوافع والنتائج النأي عن الحكم علي الماضي بمعايير الحاضر وقيمه ، كما يلزم المؤرخ تقمص روح العصر الذي يؤرخ له بتمثل عقل وقلب ومشاعر من يكتب عنهم ماوسعه ذلك،صحيح كان التاريخ وما يزال اداة من أدوات صناعة الوعي القومي وإذكاء مشاعر الانتماء الوطني في جميع الامم التي تسعي للأخذ بأسباب الانصهار والوحدة . ولكن لا يجوز ذلك بتحوير وطمس حقائق التاريخ الموثقة عن الأحداث والتطورات والمتغيرات وعن الهزائم والانتصارات.
وخلص عابدين إلى خاتمة بقوله إن إستعراضنا لما كتب وما لم يكتب عن تاريخ السودان وعن مصادر ومناهج البحث يقودنا الي الحاجة الملحة لمؤلف وكتاب مرجعي جامع بعنوان: تاريخ السودان العام من ( (5 أجزاء و يتبعه مختصر في مجلد واحد يوجز ويلخص ما جاء في المرجع الجامع لفائدة معلمي التاريخ في مراحل التعليم العام وللشباب وطلاب الجامعات ولتكن لنا أسوة في تجارب امّم اخري سبقتنا لمثل هذا العمل بإعداد مراجع عامة بل وموسوعات علمية عن حضاراتها وتاريخها مثل موسوعة التاريخ الأفريقي أعدت في ستينيات القرن الماضي برعاية وتمويل من هيئة اليونسكو العالمية : صدرت الموسوعة في عشر مجلدات باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية وساهم إعلام مؤرخي افريقيا في إبراز وتوثيق معالم الحضارات والتاريخ الأفريقي ومن أولئك استاذنا الدكتور مكي شبيكة رحمه الله.
ومؤلف اخر صدر عام 1961 عن جامعة كيمبردج في ثمان مجلدات بعنوان 🙁 تاريخ الامبراطورية البريطانية ) كما أصدرت جامعة اكسفورد كتاب تاريخ بريطانياولفرنسا مرجع جامع لحضارتها وتاريخها اصدرته وزارة الخارجية الفرنسية ثم لامريكا مؤلفان جامعان هما : (تاريخ امريكا ) و(تاريخ الولايات المتحدة ) نقترح في سياق ما سلف أعلاه تأليف كتاب مرجعي جامع معتمد علميا واكاديميا عن تاريخ السودان في عصوره القديمة والوسيطة والحديثة والمعاصرة حتي نهاية القرن العشرين وربما بإعادة النظر في الاماد الزمانية لهذه العصور او ما يسميه المؤرخون التحقيب . انه سفر جامع عن حضارات السودان المتعاقبة منذ اقدم العصور وموقعها من الحضارات الآخري وتجلياتها المحلية وسيرة التغيير والتطور والتحديث في تاريخ السودان .
والتاريخ حوار بين الماضي والحاضر اما التفسير فهو شريان حياة التاريخ اذ يتخلل الماضي الحاضر ويسري في عروق حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية وفي دواخل الانفس نوستالجيا وحنين للماضي لا ينضب ولا يجف ويفني. واينما وطأت اقدامنا فتحتها تاريخ وأينما نظرنا وكيفما تأملنا مشاكل الحاضر وأزماته فوراءها تاريخ فلا مهرب من التاريخ .
اما الأستاذ غسان على عثمان فقد تناول منهج ومنظور المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد لموضوع التاريخ واكد انه لا يتفق بإن ما كتبه أبو القاسم حاج حمد كان تاريخا،وأضاف صحيح كان عنوان الكتاب:”السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل” إلا انه لم يكن كتابا عن تاريخ السودان بل كان كتاب ينتقد فيه المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد النخب السياسية والثقافية والثورات والإنتفاضات السودانية عبر التاريخ منذ الإستقلال وحتي العام 1996 م وأضاف غسان إن حاج حمد كان مشاكسا ووقف موقف ناقد لكل أحداث التاريخ فقد تبلور وعيه الباكر بأسئلة عجز العقل الجمعي السوداني أن يطرحها دع عنك الإجابة عنها، قدم باكورة فكره حديثاً عن الهوية وأورامها الوجدانية، أعرب نحن أم أفارقة؟.. وعلى ضوء هذا السؤال جاء كتابه الأول (الوجود القومي في السودان 1964م) وكان حينها في مطلع العشرينيات من عمره، فقد تصدي لمعارك الفكر والحقيقة والتاريخ، فالسودان لم يتشكل بعد هو في طور التأسيس (فالسودان لم يتدامج (قومياً) أو (وطنياً) ليصبح الحكم الذاتي تتويجاً ديمقراطياً لذلك التدامج)، كما أشار ابو القاسم في كتابه – السودان المأزق التاريخي، حيث يقول (..إنه بلد يعيش وحدة سطحية في تنوع عميق..) ، وكيف أن المثقف يتحمل مسئولية الفشل في إدارة حوار الهوية وذلك في تحالفه مع قوى (متخلفة)، فقد عانى المثقف السوداني أوهام الحداثة دون أن يستعد لها أو أن يملك قوتها الفكري (كان الأزهري نفسه أقل الناس إدراكاً لدوره كزعيم لحركة المثقفين من جيل الاستقلال، فقد كان هو شخصياً أضعف الحلقات في تكوين المثقف السوداني) السودان ، وأن تحالف المثقف مع الطائفية هو الدخول إلى نهاية مأزقه التاريخي.
ويمضي غسان علي عثمان الى سؤال كيف نقرأ أبو القاسم؟ مبينا إن أبو القاسم ممن يحتاجون لقراءات متعددة، وفي كل واحدة منها تحتاج ، يستخدم حاج حمد لغة حوارية ليست غامضة، كم يستخدم عدة مناهج في التحليلوالإستقراء.
وحول التحليل التاريخي عند محمد أبو القاسم يشير غسان إلى إن الجيل الذي خرج فيه محمد أبو القاسم هو ما يسمى (جيل الأزمات) فجيل أكتوبر كان يحمل آمالاً كبرى في واقع ضيق، جيل الستينيات طرح على نفسه أسئلة كبرى، وفي مقدمة هذه الأسئلة سؤال الهوية، فقد انتبه متأخراً كعادته، انتبه العقل الاجتماعي السوداني إلى وجوده فجأة، وصار يتفحص جلده، وقد شاقه جداً بياض وسواد هذه الطبقة المتراكمة بفعل عوامل المناخ وتوسدات التواصل العرقي بين الأمم، وحينها بدأ جيل أبو القاسم بطل طوائفه الاجتماعية يتوسل إلى معرفته بتعريق (من عرق وعرقية) الوعي، لكن انتباهة أبو القاسم كانت أكثر صدقاً وأبعد درجة، فقد بان له أن مجتمعنا يعاني من ويلات الإقصاء والإنمحاء الجذري لكل صوت يخرج وحيداً لا قبيلة تسنده، ولا مال يعضد به وجوده، ولا عقيدة يفاخر أنها دين للجميع! فألم تقم في السودان حركات تنويرية لمثقفين آلوا على أنفسهم تغيير الواقع، وفضلوا مقارعته دون اللجوء إلى الهرب! ألم يرفض علي عبد اللطيف، البطل؛ أن يعرف نفسه بغير سودانيته، في الوقت الذي قامت قائمة أبناء مدرسة الفجر أن ينتقصوا من شأنه، “بأن أمة يسعى بأمرها أدناها ليست جديرة بالاحترام” إن مؤلفه الفخم في مبناه (السودان.. المأزق التاريخي وآفاق المستقبل (جدلية التركيب) – مجلدان وهي الطبعة الثانية التي نعتمدها في مقالتنا هذه، هو بحث جذري في الوجود السوداني ففيه يقوم الرجل بإعادة فحص كثير من المقولات الرائجة عن طبيعة السودان التاريخية وعن التشكلات الاجتماعية، هو بحث فلسفي يعتمد قانون التنقيب اللغوي، ويمكن أن نقرأ فيه وننظر أن الدراسات التاريخية الموثوقة عن إقرار الوجود التاريخي لجماعات في شمال السودان بأنها بقايا (حكم وراثي) منذ النوبية القديمة،يقول أبو القاسم (أما لماذا توقف الجهد السوداني في حدود تأسيس تلك الممالك المستقلة عن بعضها مع تقلص حدوده في إطار الدولة المهدية، ولم يستطع أن يشكل دولة مركزية تستوي على الحدود الجغرافية السياسية الراهنة فإن الأمر يرجع إلى: السلطنات الإسلامية نشأت في السودان الشمالي في مرحلة الانحسار والانحطاط العربي بداية من سقوط غرناطة في يد الإفرنج القرن الخامس عشر ميلادي.. فالسلطنات الإسلامية السودانية افتقرت منذ نشوئها إلى العمق العربي الحضاري والدفاعي الذي يرفد جهدها (الذاتي) للتطور والنمو والوحدة بعناصر قوة مكملة في العمق العربي الإسلامي.
وخلص غسان إلى انه يتفق مع الدكتور حسن عابدين مع طرحه الذي يقول ليس من مؤدي إعادة كتابة التاريخ ولكن مع التحقيق والتحليل والمسألة وفلسفة التاريخ.
أما الدكتور علاء عوض عثمان فقد لخص ورقة الدكتور بركات موسي الحوالتي حول منهج البروفيسر الراحل محمد إبراهيم ابو سليم في كتابة التاريخ وخاصة تاريخ المهدية حيث اشار الحواتي إلى ان وضع المؤلف خلاصة دراسته بعد ان عالج ذلك من قبل في كتابه «الحركة الفكرية» وفي مؤلفات وبحوث اخرى واذا سادت الكتابات عن المهدية، وركزت على الدعوة وانصارها فإن هذا المؤلف جاء حافلاً لآراء الخصوم لأول مرة، وفي هذا اثراء للدراسات، واضافة جديدة لفكرة المهدية من كل الجوانب بعد ان توافرت المصادر الموثقة المؤيدة لآراء الطرفين.
وفي موازنة دقيقة يتناول آراء من انكروا المهدية كابن خلدون، ومن ايدها كابن عربي، كما تناول آراء العلماء والصوفية في الموضوع وأوفاها حقها، ولكنه ينتقل من مجمل الى مفصل عندما يتوقف عند حركات مؤثرة افريقياً كحركة دان فوديو وادبياتها، لانها تعبير عن منظور مسلمي افريقيا في موضوع اسلامي وبقيام دولة رسخت قواعد الاسلام في شمال نيجيريا، وبرز في ظلها تراث اسلامي وقف في وجه التبشير المسيحي على حساب الاسلام.
ويتعرض المؤلف لموضوع دان فوديو ومفهومه للمهدية، ويناقش موقفه هو من مهدية الفودي، فهو كان من القائلين بمهدية الفودي منبعاً ثانياً لمهدي السودان، ولكنه عدل عن رأيه بعد النظر في أدبيات الفوديين ومراجعة قضية الوصل بين المهدية والفودية، وكعالم منهجي لا يتردد في تعديل رأي رآه من قبل اذا ظهرت أدلة جديدة، لانه امام قضية تاريخية تعالج بالمستند والمنهج.
وفي فصل من فصول هذا الكتاب يتناول مفهوم المهدية عند بعض من تناولوه ومن كفروا المهدية والعيسوية والسفياني والقحطاني، ومن تحدثوا عن حسنية المهدي وحسينيته.
ثم يؤرخ في طرف آخر لفكرة المهدية في السودان التي سبقت ظهور محمد احمد المهدي بدءاً بالشيخ حمد النحلان واعلان مهديته في مكة، ثم يتعرض لروافد المهدية متمثلة في: السمانية والادريسية والسنوسية والميرغنية، ودعاة آخرين، ولكنه يخص عالمين بالذكر هما الشيخ اسماعيل الولي والشيخ ابراهيم الكباشي، فهما كتبا في المهدية، والأول توافرت له مؤلفاته، بينما لم تتوافر له مؤلفات الثاني.
اما مهدية المهدي التي افرد لها الطرف الثالث فقد جهد المؤلف في جمع مصادرها المتناثرة وتم له ذلك حتى تمكن من وضعها في نسق موضوعي يصور المهدية كما ارادها مؤسسها.
وينتقل المؤلف بعد عرض وافٍ واستقراء متصل لفكرة المهدية والنشأة والتطور بالصورة التي ألمعنا اليها ينتقل في الكتاب الثاني وهو اصل الموضوع فيبدأ بدراسات المواقف في الطرف الاول من الكتاب، ثم يورد نصوص الأدبيات في الطرف الثاني لبيان خلفيات المؤلفين ومواقفهم الاجتماعية. وما يسوقونه من قضايا وآراء، وهو قد يعرض الفكرة دون النص لطوله كما نراه في مؤلفات الحسين زهرا والعبادي والعوام، وهم من مؤيدي المهدية، ويردف ذلك بادبيات لا صلة لها بالمهدية، ولكنه يوردها لتوضيح الصورة من كل جوانبها، مثل مبشرات الختم عند الميرغني ومنبعها الرسول صلى الله عليه وسلم. وخلصت الورقة الى ابو سليم يمثل ذلك المؤرخ المحايد الذي يقوم بجهده الاكاديمي دون اجندة او إملاءات من اي جهة هدفه العلم والعلمية ومتابة الحقيقية. وقد حفلت الندوة بالعديد من الاسئلة والنقاشات والاراء المختلفة مما اثري النقاش حول موضوع منهج كتابة التاريخ في السودان .
خروج أخير
ليت الإعيسر حامل لواء الثقافة والإعلام والسياحة في بلادنا ، يعيدنا الى تلك الأجواء العبقة بالعصف الفكري الآخاذ من جديد ، ويعمل بمخرجاتها ففيها العلاج الناجع من داء الهوية وقبول الآخر .

مقالات ذات صلة

إغلاق