
ياسر الفادني يكتب …..
كوميديا الشارع ممثلون بلا جمهور !
ما جرى ليس حراكًا، بل مشهدٌ مرتجل من مسرحٍ رديء الإضاءة، ممثلون معدودون يُحصَون بالأصابع، وهتافٌ بلا روح، ووجوهٌ تعرف جيدًا ثمن الظهور وموعد الانصراف، مظاهرات مصنوعة، مدفوعة الأجر، لا تشبه الشارع ولا تشبه الوجع، لذلك بدت أقرب إلى نكتة ثقيلة الظل، تثير الضحك حدّ التهكّم أكثر مما تثير الغضب
أين كان هؤلاء حين شُرّد الناس من بيوتهم؟ حين نزحوا حفاةً، يُطاردهم الخوف وتجلد ظهورهم سياط المليشيا؟ أين كانت حناجرهم حين كانت الكرامة تُسحل على الطرقات؟ يومها جروا جري( الخايف) ، يخلطون بين شجر (الكداد) وقصب البلدات ! ، لا لأن الرؤية التبست، بل لأن الشجاعة غابت، واليوم، بعد أن طهّرت القوات المسلحة الديار، عادوا فجأة، كأن الذاكرة قصيرة، وكأن الدم الذي سُفك ماء
هذه الشريحة جرى إدخالها قسرًا في جسد الإنسان السوداني لفترة، رُوّج لها، صُوِّرت كصوت، لكنها لم تكن يومًا سوى صدى مُصطنع، والدرس الذي تعلّمه الشعب كان قاسيًا بما يكفي ليصنع وعيًا جديدًا، وعيًا لا تنطلي عليه العروض المدفوعة، ولا يُستدرج بلافتات كرتونية وشعارات مستعارة، لن تدخل هذه اللعبة مرة أخرى، لأن الثمن دُفع، والذاكرة استيقظت
ولمن يخططون لمثل هذه الكوميديا السوداء، نقولها لهم : غيّروا المسرح. هذا النص قديم، وهذا الإخراج مفضوح، والجمهور لم يعد ساذجًا ، لن تجدوا مصفّقين، بل مسرحية صامتة، جمهورها الكراسي الفارغة، فالشعب الذي رأى الحقيقة عارية، لا يُخدع بستارة مهترئة، ولا يصفّق لعرضٍ بلا قضية.


