أخبار

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب حكامنا الديكتاتوريون مفضلون لدى الغرب فهل هم أجدى لنا نفعاً

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب
حكامنا الديكتاتوريون مفضلون لدى الغرب فهل هم أجدى لنا نفعاً
في المناهج المدرسية وبعدها مناهج العلوم السياسية درسنا الاستعمار الذي بدأ في القرن التاسع عشر فيما عرف بموجات التدافع نحو أفريقيا وآسيا، فالغرب أدعى حينها أنه حامل لواء الحضارة الإنسانية وأن ذاك هو عبء الرجل الأبيض كما قال شاعر الإمبراطورية البريطانية رود يارد كيبلنق.
ومن عجب أن الاستعمار جاء في الوقت الذي عمت فيه أوروبا مبادئ التنوير المثالية العالية المتمثلة بفلسفة جان جاك روسو ومونتسكيو وايمانويل كانط، وقد كانت مبادئ كونية تحترم حرية الإنسان وكرامته، وليس فقط الإنسان الغربي الأبيض. ولكن الغرب عندما قاد حملاته الاستعمارية تلك فعل عكسها تماماً حين قام باستعمار الشعوب وسلبها حرياتها وثرواتها بل وإنسانها الذي تم استرقاقه وبيعه في أسواق النخاسة التي تفرق بين الأم وابنها والأب وأخيه وصاحبته وبنيه، تشهد على ذلك شواطئ غرب أفريقيا، خاصة جزيرة قوري بالسنغال والتي سميت بصخرة الأنين الملونة والتي كانت باباً الخارج منه مفقود مفقود كما يقول نزار قباني .لذلك يمكن القول أن قضايا الاستعمار وتبعاته لا تزال ماثلة اليوم فهو قد خرج من الباب قبل أكثر من ستين عاماً أو أقل في بعض الدول ولكنه دخل من الشباك يساعده بعض أبناء جلدتنا.
إن الاستعمار قد تدخل حتى في اختيار قادة التحرر الوطني في الكثير من البلدان على حساب القادة الأصليين الذين كان مصيرهم السجن أو الموت، وهناك نماذج كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، وهذا الأمر لا يزال سارياً الآن في موجات ما سمي بالربيع العربي وما بعدها، والغافل من ظن أن الأشياء هي الأشياء كما يقول شاعرنا محمد الفيتوري في قصيدة الدرويش المتجول، لذلك اتسمت النخب المثقفة بإيحاء من أُولئك القادة المصطنعين بالسماحة في مناجزة الاستعمار فودعته بالاحتفالات وتسوية المعاشات كما يقول أستاذي بروفيسور عوض السيد الكرسني، بدلاً عن محاسبته على مقيت جرائم ارتكبها كما سبقت الإشارة إليه، بل أن مفاهيم مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي أصبحوا يؤرخون لها فيما بعد الحرب العالمية الثانية ليتناسى العالم كل ما قبلها في أفريقيا وآسيا وأمريكا التي أُبيد فيها الهنود الحمر عن بكرة أبيهم وكان الشعار السائد في أمريكا حينها أن الهندي الجيد هو الهندي الميت (Best Indian is the dead Indian )، وبعد الاستقلال وفشل قادة التحرر الوطني المدني جيئ بآخرين عبر انقلابات عسكرية كانت مصنوعة أو مرحب بها إلى حد كبير.
والواقع أن وجود الملايين من أبناء المستعمرات السابقة على الأراضي الأوربية هو الذي يجعل الموضوع يطفو على السطح باستمرار فكثيرون من أبناء الجاليات العربية والإسلامية والأفريقية يعيبون على أوربا أنها استعمرت دولهم وأهانتهم وحاولت محو هويتهم، ثم بعد أن هاجروا إليها تحتقرهم من جديد ولا تعطيهم فرصة العمل والسكن اللائق وغير ذلك، فمعظم أولئك المهاجرين يتم استيعابهم في أعمال هامشية كان يمكن أن يقوموا بها في بلادهم الأصلية ربما بأعلى من ذلك المقابل الذي لا يقيم الأود، وبالتالي فهي لا تزال تعاملهم وكأنهم خاضعون لها ولاستعمارها، أما اليمين المتطرف في المانيا وفرنسا على سبيل المثال فيرى في تلك الجاليات المقيمة على أرضه بمثابة استعمار بالمقلوب، فهم يقولون للمغتربين المقيمين في فرنسا مثلاً نحن تركنا بلادكم وخرجنا من عندكم فلماذا جئتم إلينا بالملايين، هل ستنتقمون وتستعمروننا كما استعمرناكم، وللحد من تلك الهجرة فإنهم قد بدئوا بالفعل إعادة توطين المهاجرين في رواندا.
وفي مقال سبق وأن اشرنا إليه وكان عنوانه ( لماذا يكرهوننا ) خلص فريد زكريا أحد كتاب الغرب المؤثرين اليوم إلى أن أميركا مستهدفة لأنها حاملة للواء الحضارة والمدنية في عالم يرزح تحت نير التخلف- أمريكا المجردة من تاريخها الدموي -،عند الإنجليز والأمريكان فإن الليبرالية و الديمقراطية تتناقضان مع ما يسمونه الإسلام السياسي والأحزاب ذات النزعة التحررية، ولذلك هم لا يخفون قلقاً من وصول بعض التيارات الوطنية التحررية إلى الحكم في ظل انتخابات حرة ونزيهة، لأنهم يعتبرون أن حكام العالم العربي الدكتاتوريين أكثر ليبرالية من أولئك .
وعلى ضوء ذلك يرى زكريا دعم الولايات المتحدة والغرب لتطبيق النظم الحاكمة في العالم العربي لليبرالية الدستورية دون الضغط عليها لإجراء انتخابات. والليبرالية الدستورية هنا تعني إبعاد الدين عن السياسة بقدر الإمكان أو الإبقاء على الشكليات، وسيكون لهذا نتائج أفضل من دفعها لإجراء انتخابات قد تأتي بمن هم أكثر استبداداً وتصادماً مع الغرب وقيمه.
ليت الأمر انتهى هنا ولكنهم عملوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني العاملة وسط الشباب على الترويج لموضوعات معينة يتلقاها المستهدف بذات المضمون ومن مواقع متعددة حتى تبدو كأنها حقيقة، مما يجعل من الصعب مراجعته فيما اعتقد أنها مسلمات يمكن أن يدفع حياته ثمناً لها، وبتلك الطريقة أشعلوا العديد من الاضطرابات في العالم العربي وشرق أوربا، وكانت نتيجتها في كثير من الأحيان انهيار تلك الدول بدلاً من تغيير الأنظمة فيها .
وإذا أسقطنا ذلك على عالمنا العربي ودرسنا تلك الظاهرة فإننا اليوم قد نتحسر على قادة ذهبوا فذهبت معهم الدول رغم أنهم لم يبسطوا الحريات في عهدهم، ذهب القذافي فتشظت ليبيا لعشر سنوات إلى أكثر من ثلاثة مناطق وحكومتان تعملان في بلد واحد، وحال اليمن بعد علي عبد الله صالح يغني عن السؤال، وعدم الاستقرار في تونس يجعلها تحن إلى عهدي بن علي وبورقيبة، وسوريا الأسد لا تسيطر على الكثير من أراضيها التي أصبحت تحت الهيمنة الروسية والتركية والأمريكية والإيرانية،وإذا كان فريد زكريا وتوماس فريدمان وكتاب غربين آخرين يرون في أولئك الزعماء درعاً واقياً للحفاظ على الليبرالية فنخشى أن نكون نحن من دعاة المحافظة على حكامنا الدكتاتوريين باعتبارهم الأجدى لنا نفعاً، حتى لا نفقد الدولة التي نتصارع على حكمها فيكون مصيرنا المهاجر والملاجئ فنجد ذات المعاملة التي أشرنا إليها، غير أن الموضوع المهم الذي سنعود إليه لاحقاً هو أن الديمقراطية نفسها لا تعدو أن تكون أحياناً سوى نكتة رديئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق