رأي
بروفيسور إبراهيم محمد آدم –يكتب من وحي نداء بائع الموز: تدهورنا يا سادتي مليون
بروفيسور إبراهيم محمد آدم –يكتب
من وحي نداء بائع الموز: تدهورنا يا سادتي مليون مرة
الموز في السودان يسمى فاكهة الغلابة نسبة لسعره الذي كان في متناولهم حتى وقت قريب، لذلك يمكن أن يصلح ترمومترا لقياس ما وصل اليه حالنا،فقد لفت نظري بائع الموز وهو ينادي على بضاعته _ ثلاثة كيلو بألف- والألف لمن فاتهم التفكير في قيمته هو المليون جنيه سابقاً، وقد كان في يوم ما يمثل ثروة يحتفل بها صاحبها، ففي صغرنا كنا نسمع أن فلاناً قد احتفل بالمليون الأول أو الثاني – بعضهم يسميه احتفالا وآخر يعتبرها كرامة وصدقة لله على ما أنعم به عليه، حينها كان المليون يقارب المليون دولار بل في يوم ما كان يعادل ثلاثة أو أربعة ملايين دولار حتى منتصف حكم مايو .
وقتها كانت الألفا جنيهاً وهي تعادل المائتي الف جنيهاً اليوم يتغنى بها في أغنيات مثل سميسم القضارف ( ألفين جنيه من أمو مابدلنوا)،وحتى لا أذهب بكم بعيداً إلى ازمان سميسم القضارف والذي فشل موسمه لهذا العام تقريباً بفعل قسوة الطبيعة وإهمال الحكام، أقول أنه قبل نحو ست سنوات تقريباً كان الجنيه – الألف جنيهاً سابقاً – والتي لا وجود لها حالياً، إلا في المخيلة الشعبية مناسبة جداً للمعيشة والتوفير خلال تلك الفترة، أما اليوم فقد بلغ الحال مما نحن فيه أن تآكلت الدخول ،بحيث لا يستطيع الغلابة أكل فاكتهم المفضلة الموز دعك من الفواكه الأخرى التي تعارفوا على تسميتها بالاستفزازية، وهي تستورد من ما وراء البحار لتغطية حاجات القادرين على التمام.
إن بائع الموز بنداءه ذاك يلخص حالنا البائس والذي يقتتل عليه اليوم سياسيينا مدنييهم على عسكرييهم وهم يوعدوننا بأحلام سراب خداع محال ما بيروى عطشانيين كما يقول عبد الرحيم ارقي ، وبرق خلب يبتعد عنا هو الآخر منذ سنوات ما بعد الاستقلال حين كان لنا جنيهنا يتفوق على الاسترليني والدولار، ولو حافظنا عليه فقط لكان ذلك انجازاً ولكنه تدهور الآن الى تلك المنزلة التي ذكرنا، وقد حافظت معظم دول الجوار على عملاتها مع فارق بسيط في سعرها مقارنة بالعملات الاجنبية لا يمكن ابداً مقارنته بحالنا فاصبح اقتصادنا عصياً على المعالجة ومعيشتنا ضنكى ومستقبلنا مجهول واجيالنا تائهة.
بائع الموز هذا في ظاهر الأمر قد اطلق نداءه ذاك متمنياً منا الشراء حتى يعود هو آخر اليوم ببضع جنيهات تعينه في شراء لقيمات يقمن صلبه ليكون قادراً على العودة مرة أخرى في صباح اليوم التالي إن لم يمت كمداً مفترشا ذات بضاعته ومنادياً عليها لأن الناس في خضم سعيهم اليومي قد لا يتذكرون أن هناك فاكهة كانت تناسبهم اسمها الموز،فيقترب شاريا من استطاع الى ذلك سبيلاً، إن ذاك النداء في حقيقة أمره هو صرخة في وادي الصمت وأنين في غيابت جب ادخلتنا فيه صراعات المتاجرين باصواتنا ومصائرنا منذ فجر الاستقلال فاصبحت حياتنا البسيطة حلماً بعيد المنال.