رأي
بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(2-5)
بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب
مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(2-5)
كان لأمريكا دوراً بارزاً في انقلاب 17 نوفمبر حيث كثر القلق على مستقبل الأوضاع الديمقراطية في السودان عام 1958 بسبب موجة الانقلابات العسكرية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط والتي ورد عنها في كثير من دوائر السياسة بأن الولايات المتحدة تقف من ورائها ويعتبر التحول السياسي الذي حدث في 17 نوفمبر 1958م أول انقلاب عسكري في الحياة السياسية السودانية. ويبدو أن الأزمة السياسية بدأت بالمعونة الأمريكية.
ولتنشيط ذاكرة الأجيال نقول إن الانقلاب الذي حدث في السودان في عام 1958 كان برغبة من الرئيس عبد الله خليل حيث طلب من إبراهيم عبود استلام السلطة و أن البلاد قد انهارت و كثرت الأزمات الاقتصادية و لا بد للقوات المسلحة أن تنقذ البلاد، الفريق عبود قال لرئيس مجلس الوزراء عبد الله خليل إنه سوف يدرس الوضع ثم يرد عليه وكان ذلك في السابع من نوفمبر، و في 14 نوفمبر ذهب عبد الله خليل مرة أخرى بنفسه للفريق إبراهيم عبود ليطمئن على الموقف وكان أن أفاد عبود بأن كل شيء مرتب ويجري كما يراد و بعدها حدث الانقلاب.
– ومن هنا كثرت الادعاءات بأن الولايات ترتب إلى أحداث تغيير في البلاد و كتب عنها الحزب الشيوعي آنذاك أنها تنوي تنوي ما اشرنا إليه ولقد ورد أن ذلك يؤدي إلى حدوث استعمار أمريكي رجعي كما حدث في بورما وباكستان إيران من انقلابات كلها تقودها أمريكا لإدارة مصالحها في تلك البلاد.
وفي يوم الخميس 27 نوفمبر 1958 أي بعد مرور عشره أيام فقط من الانقلاب في أول اجتماع يجمع كبار الوزراء منذ تكوين الحكومة الجديدة عقد اجتماع للنظر في موضوع اتفاقية المعونة الأمريكية وبعد دراسة مستفيضة للمعونة أجمعت الآراء على الموافقة لأنها حسب رأيهم لا تمس كرامة البلاد وسيادتها .
وفي 29 نوفمبر أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية مذكرة عن المعونة الأمريكية جاء فيها أن احتياجات السودان لمشروع الإنشاء و التعمير في ظروف السنوات الخمس القادمة تقدر بحوالي 120 مليون جنيهاً.
و كانت الولايات المتحدة الأمريكية و المانيا الغربية تحتلان الصدارة في اقراض السودان، بعد إزاحة بريطانيا من موقعها السابق. ففي الفترة من عام 1958م حتى عام 1961 قدمت الولايات المتحدة وحدها للسودان في صورة معونة أكثر من 50 مليون دولاراً. كما قدم البنك الدولي للإنشاء و التعمير قروضاً للسودان تقدر بحوالي 74 مليون دولاراً .
سقط عبود ثم سقطت حكومة الصادق المهدي ثم جاءت مايو وكان من أعظم الأخطاء التي ارتكبها نظام مايو في العام 1970م قرارات التأميم والمصادرة، كانت المصادرة للشركات الوطنية والتأميم للشركات الأجنبية، وقد كان أول قرار هو مصادرة شركات عثمان صالح وأولاده،ثم بعدها صدر قرار بتأميم الشركات البريطانية العاملة في مجال التجارة مثل ميتشل كوتس، سودان ميركانتايل، جلاتلي هانكي وبلدمور وشركة كونتا ميخالوس وأولاده وغيرها من الشركات الأجنبية والوطنية، وقد كان الأب الروحي لتلك القرارت هو أحمد سليمان ومعه المستشار الاقتصادي لاتحاد العمال الدكتور الطاهر عبد الباسط، وقد أحدث ذلك الفعل ضرراً بالغاً بالاقتصاد السوداني كما حدث من قبل في مصر التي أخذ منها السودان تلك التجربة المشئومة فقلل ذلك من ثقة رأس المال الأجنبي في السودان وفي ذات الوقت أفقد المواطن السوداني الثقة في تلك المؤسسات والشركات إذ كيف يستثمر فيها عرقه وجهده مقتراً حتى على نفسه وعياله لتتم المصادرة فقط بجرة قلم.
كان ذلك التصرف من تلك الحكومة الشيوعية في ذلك الحين بدعوى محاربة الرأسمالية، ولكن أين تلك الرأسمالية وقتها، إنها فقط أنشطة اقتصادية لأسر سودانية وطنية مخلصة وناجحة شقت طريقها بصعوبة لتكوين نفسها وبعض أسر وعوائل من الهند والشام واليونان سلكت طرقاً صعبة فأثبتت وجودها في دنيا الأعمال فتم تحطيمها قبل أن تنمو وتربط السودان بالقطاع الخاص الدولي.بعدها هرب رأس المال الأجنبي وعاد من حيث أتى لأنه حتى عندما تم إعادة النظر في قرارات التأميم والمصادرة لم يكن العائد مجدياً.
وفي بداية عهد مايو تأثرت العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تبعية نظام مايو للمعسكر الاشتراكي وانتهاج النهج التقدمي العروبي المعادي للإمبريالية كما زعموا، وبعد المحاولة الانقلابية الشيوعية الفاشلة عام1971 بدأ نظام مايو يميل تدريجياً نحو معسكر الولايات المتحدة حتى وصلت العلاقات بين البلدين قمة تطورها حيث قدمت الولايات المتحدة معونات للسودان في مختلف المجالات. وأصبح السودان إلى جانب مصر أكثر الدول العربية التي تتلقى إعانات من الولايات المتحدة، و استمرت العلاقات على تلك الوتيرة حتى قامت حكومة مايو بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983 حيث بدأت بعد ذلك العلاقات تتراجع إلى حين سقوط مايو في انتفاضة أبريل عام 1985 .
شهدت حكومة الصادق المهدي عدم استقرار في كافة الجوانب طوال فترة حكمها ( 1986-1989 ) ففي العلاقات الخارجية لم يكن السودان منحازاً لأي من المعسكرين، بل كان يسعى للتوازن في علاقته سواء مع الإتحاد السوفيتي أو مع الولايات المتحدة، بالتالي فقد السودان دعم الدولتين حيث تم إيقاف التنقيب عن البترول و الذي كانت تعمل فيه شركة شيفرون الأمريكية وتقليص العون العسكري إلى 6 مليون دولار في عام 1988م ثم توقف بعد ذلك كلياً .يتبع