رأي

التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة ليس في المتمة وانما في مروي

التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة ليس في المتمة وانما في مروي

بقلم : علاء الدين محمد ابكر

في العام 1897م كانت قوات الاستعمار الانجليزي المصري تتقدم بسرعة الي عمق البلاد بهدف احتلال كامل السودان مرة اخري بعد قيام السودانين في العام 1881 بالثورة المهدية والتي انتهت بطرد الاحتلال التركي المصري في العام 1885م عن البلاد وهنا نجد اسم مصر الولاية العثمانية المتمردة علي الخليفة التركي يتكرر لمرة اخري لاحتلال السودان ولكن هذه المرة ظهر مرادف لبريطانيا وليست مع تركيا التي كانت مجرد اسم اراد به محمد علي باشا اكتساب شرعية حكم مصر وقد بالفعل تمكن بالموارد الطبيعية المنهوبة من السودان من بناء دولة علي طراز عصري ولكن التصرفات الخرقاء للحكام الذين اتوا من بعده جعل مصر تسقط تحت الاحتلال الانجليزي في العام 1883م

في صيف 1897م بمدينة ام درمان طلب الخليفة عبد الله التعايشي من قائد نخبة جيوشه الامير محمود ود احمد القدوم من انحاء دارفور، الي ام درمان ومن ثم التوجه شمال لصد جيش الاستعمار الانجليزي المصري ولكن كانت المفاجأة الكبرى في مدينة المتمة وذلك عندما اعترض اهالي المدينة علي دخول جيش المهدية لها وبالرغم من هدف جيش المهدية هو اتخاذ المنطقة كنقطة انطلاق لصد جيوش الاستعمار القادمة وقد كان نتاج ذلك الاعتراض هو قوع احداث عنف ما كان داعي لها لو تعاون اهل المتمة مع جيش المهدية خاصة وان زعيمهم ود سعد كان يحمل رتبة امير بمجلس الخليفة. عبد الله التعايشي والتي تعادل اليوم رتبة عسكرية رفيعة فبعدما ما اتفق ود سعد مع الخليفة التعايشي علي تسهيل مهمة الجيش الجرار المنطلق من ام درمان تراجع عن ذلك الوعد مما عطل تقدم الجيش والتسبب في احداث ما كان داعي لها ساعدت في النهاية قوات المحتل الانجليزي المصري علي كسب معركة النخيلة بالقرب من مدينة عطبره الحالية ولم تجد بعدها قوات الاستعمار الانجليزي المصري اي مقاومة الا في موضع ساحة كرري في سبتمبر من العام 1898م

واليوم بعد مائة وخمسة و عشرين عام يكاد التاريخ يعيد نفسه ولكن ليس في مدينة المتمة ولكن في موضع آخر وهي مدينة مروي وذلك بعد اعلان الجيش الاعتراض علي وجود قوات الدعم السريع في المدينة ونحن هنا لسنا بصدد تناول الاحداث السياسية حول الاتفاق الاطاري المفتري عليه ولكن نريد التركيز على لماذا مدينة مروي يمنع تواجد الدعم السريع فيها بالذات فاذا كان اعترض الجيش علي وجود الدعم السريع صادر بدون تاثير من جهات اخري لقلنا أن ذلك يدخل ضمن لائحة الانضباط العسكري في اصدار اوامر التحرك وماشابه ذلك من الامور العسكرية البحتة والتي لا دخل لنا فيها ولكن ان ياتي بيان الجيش عقب خروج بعض سكان مدينة مروي في تظاهرات بعدم قبولهم بتواجد قوات الدعم السريع فان ذلك يبعث على الدهشة فهل مدينة مروي تقع ضمن حدود دولة اخري اما هي منطقة تتمتع بوضعية خاصة مثل (ابيي) المتنازع عليها مابين دولتي السودان وجنوب السودان التي يمنع دخول قوات البلدين اليها حيث تتواجد فيها قوات دولية (اليونسفا) لحفظ الامن فيها
قوات الدعم السريع اصدرت هي الاخري بيان توكد فيه ان تحركها الي مدينة مروي اتي بالتنسيق مع ذات القوات المسلحة التي اصدرت قبل ذلك بيان شعرت فيه بالقلق من وجود قوات قال عنها قائد الجيش الجنرال البرهان في لقاءات سابقة بانها قوات ولدت من رحم القوات المسلحة والامر الأكثر حيرة هو ان هناك العديد من الرتب العسكرية من الجيش تعمل في اطار قوات الدعم السريع اذا الجيشين يعرفون بعضهم البعض

بات واضح للجميع ان هناك طرف ثالث يريد ايقاع الفتنة والزج بالبلاد في مستنقع الحرب الاهلية علي غرار خروج الامير ود سعد في العام 1897 من مجلس الخليفة عبد الله التعايشي وهو مقتنع تماماً بقرار اخلاء مدينة المتمة لتكون قاعدة عسكرية لجيش الامير المهدية ولكنه ما ان وصل الي المتمة حتي تراجع عن اتفاقه الاول مع الخليفة عبدالله التعايشي واعلان التمرد عليه الي درجة خوض حرب وهو لا يمتلك القدرة الكافية لها حيث كان تعدد قواته لايتجاوز الثلاثة الف مقاتل بينما جيش الامير محمود احمد يفوق الستين الف مقاتل يحملون احدث الاسلحة مقارنة بجماعة ود سعد ومن خلال تحليل تلك الاحداث التاريخية يتضح لنا
ان الامير ود سعد تعرض الي استقطاب ممنهج اضافة الى وعود من جهات خارجية بمده بالسلاح والرجال لمقاومة جيش المهدية وهذا ما لم يحدث فالهدف الاساس هو تدمير الجميع وبالتاكيد ان من يقف خلف تلك الوعود لود سعد هي استخبارات الجيش الغازي اللانجليزي المصري وذلك بهدف اضعاف قوات الامير محمود ود احمد وهذا ما حدث بالفعل فالاستخبارات الانجليزية المصرية بقيادة سلاطين باشا ارادت خلق فتنة بين السودانيين قد تمتد إلى مئات السنين القادمة حتي يسهل لهم السيطرة علي السودان وهنا لن اوجه اصابع اتهام الي الامير ود سعد و لا الي اهل الشمال ولكن يمكن ان نقول عنهم انهم تعرضوا الي خديعة قادت الي ماحدث فالامير ود سعد وسائر اهله من شمال الخرطوم والي منطقة اعالي نهر النيل كان لهم اسهام مقدر في انتصار الثورة المهدية ونذكر منه انضمام مدينة برير الي الثورة المهدية اثر قيام اهلها
بقطع الطريق الرابط مابين البحر الاحمر والخرطوم مما جعل الحصار يضيق على غردون باشا اخر حاكم للحكم التركي المصري بالسودان وكان كذلك لاهل شندي دور كبير في تعطيل حملة انقاذ غردون باشا عندما قاموا بجانب قوات الانصار بالاشتباك مع الحملة الانجليزية في موقعة ابو طليح في العام 1885 مما ساعد الامام المهدي علي تحرير الخرطوم في يناير 1885م اذا بالتالي فان ما يحدث في مدينة مروي ومطالبة بعض سكانها بعدم تواجد قوات الدعم السريع فيها ماهو الا امتداد لذات الفتنة الي زرعها الاستعمار الانجليزي المصري منذ العام 1898م

لا نريد ربط تواجد القوات المصرية في مطار مدينة مروي بما يحدث من احتقان مابين الجيش والدعم السربع ولكن ذلك يجعل الشبهات سوف تحوم حولها فاذا كان بالمقابل وجود لقوات سودانية في مطار مصري فيمكن اعتبار ذلك من باب التعاون العسكري وفي اطار التدريبات المشتركة ولكن يبقي السوال مطروح انه و في ظل عدم حسم موضوع مثلت حلايب وشلاتين وابي رماد يجعل وجود تلك القوات المصرية امر غير مرحب به فالافضل ان تغادر البلاد واذا كان هناك بعض من اهل مدينة مروي يريدون الاعتراض علي تواجد قوات عسكرية فالانسب لهم هو عدم قبولهم بوجود قوات غير سودانية في مدينتهم ولكن الاعتراض علي قوات الدعم السريع السودانية بالذات فان ذلك امر يبعث على الدهشة فالدعم السريع قوات ظلت تجوب مدن البلاد المختلفة حتي انها قبل عام وصلت مدينة ابو حمد القريبة من مدينة مروي وهي تحمل الامصال الواقية من خطر التعرض الي لدغات العقارب التي انتشرت في المنطقة اذا لماذا لم نسمع حينها الاعتراض على وجود قوات الدعم السريع فيها ؟
كذلك ان وجود صلاح قوش مدير الامن والمخابرات الاسبق في عهد المخلوع البشير في مصر الذي ينحدر من مدينة مروي يجعله موضع اتهام عن ما يحدث في مدينة مروي من توترات

ان السودان يحتاج الى عقلية جديد تتجاوز احقاد الماضي التي زرعها الاستعمار الانجليزي المصري بيننا فالاستعمار حتي وان غادر بلادنا فهو موجود من خلال العملاء الذين يخدمون مصالحه بتسهيل سرقتهم لخيرات البلاد وحتي لا يتكرر ما حدث مابين قوات الامير محمود ود احمد والامير ود سعد الذي تعرض الي تغرير وخداع بالنصر في حال الاشتباك مع اخوانه في جيش المهدية بالتالي يجب علينا تفويت الفرصة على من يريدون تمرير مخطط الحرب الاهلية في السودان والتاريخ خير شاهد علي ذلك وقبلها في العام 1924 دفع بعض الجنود السودانين اروحهم ثمن لمن لايستحقون فالانجليزي السير لي استاك حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري عندما تعرض الي القتل في شوارع القاهرة بيد الفدائين المصريين طلبت سلطات الاحتلال الانجليزي من قوات الملك فؤاد بالخروج من السودان وفي مدينة الخرطوم قامت القوات الانجليزيه بمحاصرة مقرات القوات المصرية ومطالبتهم بالرحيل الي محطة السكة الحديدية ومن ثم التحرك بالقطار الي مصر وقد تم استثناء الجنود السودانين المنتسبين للجيش المصري عن الرحيل ولكن هولاء الجنود السودانين كان لهم راي اخر وهو المقاومة والتضامن مع المصريين وبالفعل وقعت معارك شرسة بالخرطوم كانت الغلبه فيها للقوات الإنجليزية وقد كان الاتفاق السري بين الجنود السودانين مع المصريين هو تتدخل القوات المصرية لاجل اسنادهم ولكن ذلك لم يحدث فقد اصدر رئيس وزراء مصر انذاك سعد باشا زغلول امر الي القوات المصرية بالانسحاب من السودان في العام 1924 لتعود مره اخرى في العام 1936 اثر اتفاق بين مصر وانجلترا

القوي الاستعمارية تنظر دائما الى مصالحها في المقام الاول بالتالي علي السودانيين عدم الوقوع في ذات الوعود الكاذبة التي وقع فيها الاسلاف عندما صدقوا وعود المستعمرين بنصرتهم علي بعضهم البعض ، فاذا اندلعت الحرب فالقاتل والمقتول هم ابناءنا لذلك يجب تفويت الفرصة على اعداء الوطن وان نعمل جميعا على حماية ثورة ديسمبر التي في سبيلها قدم الشهداء حياتهم رخيصة لاجل العزة والكرامة وحرية التعبير وحرية التفكير

ترس اخير

أُكلت يوم أكل الثور الأبيض

قصة المثل… أن أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم.
ذهب الأسد وفكر بطريقة ليصطاد هذه الثيران، خصوصاً أنها معاً كانت الأقوى، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: «لا خلاف لدي معكما، وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض، كي لا أموت جوعاً، أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم لكنني لا أريدكما أنتما بل هو فقط».
فكر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفوسهما وحب الراحة وعدم القتال فقالا: «الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض». فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى ليالي شبعان فرحاً بصيده.
ومرت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما. ولكنه استخدام الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود وقال له: «لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟»
قال له الأسود: «أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض».
فرد الأسد: «ويحك أنت تعرف قوتي وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أشأ أن أخبره بأنني لا أحبه كي لا يعارض اتفاقنا السابق».
فكر الثور الأسود قليلاً ووافق بسبب خوفه وحبه الراحة.
في اليوم التالي اصطاد الأسد الثور الأحمر وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان. مرت الأيام وعاد وجاع.
فهاجم مباشرة الثور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثور الأسود: «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».
احتار الأسد فرفع يده عنه وقال له: «لماذا لم تقل الثور الأحمر، فعندما أكلته أصبحت وحيداً وليس عندما أكلت الثور الأبيض!».
فقال له الثور الأسود: «لأنني منذ ذلك الحين تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على أكلي».
هذه هي أهمية الاتحاد وتجميع الصف والكلمة والمصير المشترك.

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسّرت آحادا.

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
????????????????????9770@????????????????????.????????????

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق