رأي

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(1-5)

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب
مشكلات السودان الاقتصادية ، هيكلة الاقتصاد أم هيكلة الثقافة(1-5)
سوف نتناول في هذه المقالات مشكلات السودان الاقتصادية بعد أن بلغ ضيق المعيشة بالناس مبلغاً لم يألفوه من قبل وكثر الحديث عن إعادة هيكلة الإقتصاد وهو جزء من برنامج التكيف الاقتصادي الذي وضعته المؤسسات المالية الدولية الكبرى وعلى رأسها البنك وصندوق النقد الدوليين، والمؤسسات المانحة الأخرى ويشمل التكيف الاقتصادي كل من التثبيت والتكيف الهيكلي، ويتكون التثبيت من سياسات قصيرة المدى توضع أساساً بوحي من صندوق النقد الدولي، وتهدف هذه السياسات إلى خفض التضخم واستعادة قدرة العملة على التحويل وتجديد خدمة الديون، وهي تتضمن إجراءات لتخفيض النفقات ( مثل خفض الدعم والمرتبات) فضلاً عن تطبيق سياسات مالية وائتمانية ونقدية انكماشية صارمة من أجل إصلاح عدم التوازن الخارجي والمتعلق بالموازنة والميزانية.
أما التكيف الهيكلي فيقع أكثر في مجال البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية، وهو يهدف إلى تحرير الإقتصاد والتجارة من خلال رفع السيطرة والضبط واتباع الخصخصة وتطبيق سياسات موجهة نحو التصدير .
وبما أن ثقافة أي مجتمع هي التي تؤثر على نظمه المالية والإدارية والسياسية فإننا سوف نربط في سلسلة المقالات هذه ما بين ثقافتنا السودانية العريضة وفشلنا أو نجاحنا الإقتصادي .
وللتأريخ لذلك الأمر يمكننا القول إن المشكلة الحالية تعود إلى ما بعد سني الاستقلال، ففي أثناء فترات الاستعمار كان السودان جزءاً من كل كبير هو الإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس، وبالتالي كان يدور في فلكها وينطبق عليه ما يحدث في مستعمراتها، ولذلك كان محصوله النقدي هو القطن والذي تأثر بعد أن بدأت الصين والهند إنتاجه بغزارة وكذلك الكساد الذي حصل لمصانع لانكشير ويوركشير للغزل والنسيج في انجلترا.
شهد السودان في الفترة مابين 1956 إلى 1957 ركوداً و أزمة اقتصادية عنيفة نتيجة لتكدس محصول القطن و أدى هذا الركود إلى عدة نتائج منها تحول الميزان التجاري في غير مصلحة السودان فقد تناقصت الصادرات إلى انجلترا عن ما لا يزيد عن 15000000 جنيهاً بينما زادت صادرات إنجلترا للسودان إلى 550000 جنيهاً، كما ارتفعت الأسعار في الداخل و تقلصت القوه الشرائية بعد تخفيض أسعار القطن.
أما الأسباب الحقيقية وراء كساد القطن فهي قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإغراق الأسواق الغربية بالقطن المخزون لديها، وكانت سياسة الإغراق هذه حلقه الضغط على الاقتصاد المصري كجزء من تداعيات الصراع العربي الاسرائيلي، ويرجع السبب الثاني إلى اعتبار السوق الإنجليزي هو المنفذ التقليدي لمحاصيل السودان خاصة القطن، و لقد حدثت ظروف عالمية أدت إلى كساد المنتجات القطنية في لانكشير وانخفاض القيمة الحقيقية للإسترليني وعلى رأس هذه الأسباب دخول الهند والصين في المجال الخاص بالمنسوجات كما أسلفنا .
حدثت الأزمة الاقتصادية بعد عام واحد من الاستقلال ومن هنا بدأت مسيرة السودان في عدم الإعتماد على الذات والتحول إلى متلقي للإعانات من أمريكا تلك الدولة التي لم تقم بتطبيق تلك التجربة، ولكنها أغلقت على نفسها ولم تنل عضوية عصبة الأمم التي وضع مبادئها رئيسها ودورو ويلسون ولم تشترك في الحرب العالمية الأولى وشاركت في الحرب العالمية الثانية بعد أن اتضح لها إلى أين تميل الكفة، وساعدت أوروبا ووضعتها إلى الآن تحت تأثير نفوذها بذات طريقة الإعانات على غرار مشروع مارشال لإعادة أعمار أوروبا .
وبعدها كان عام 1957 عاماً حافلاً بالأحداث السياسية في السودان فقد شهد قبول الحكومة الائتلافية ( حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي ) برئاسة عبد الله خليل للمعونة الأمريكية.كما زار السودان في هذا العام نائب الرئيس الأمريكي حينها ريتشارد نيكسون وتم إجراء محادثات مع رئيس الوزراء وكبار رجال الدولة حول العلاقات بين البلدين، ثم عقد مؤتمراً صحفياً أُعلن فيه ما أكده رئيس الوزراء عن حاجة السودان للمعونة الأمريكية الاقتصادية لا العسكرية لتطوير مشاريع الري والزراعة، على أن لا تنطوي على شروط تمس سيادة السودان أو استقلاله وقال نيكسون في المؤتمر إنه أوضح لرئيس الوزراء أن أمريكا في معاملاتها الاقتصادية تسعى لمساعدة الدول على تطوير اقتصادها وحماية استقلالها، وان أمريكا ليس من أغراضها أن تفرض على الدول التي تعينها ما ينتقص من سيادتها، وتحدث أيضاً عن مشروع الرئيس إيزنهاور لمساعدة دول الشرق الأوسط وأشار في معرض حديثه إلى انه وجد ترحيباً من رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد أحمد محجوب واتفق الطرفان على زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي لتقديم مشروعه وشرحه وعقد محادثات حول هذا الموضوع كما بحث السيد عبد الله خليل مع المبعوث الأمريكي نيكسون أمر إيجاد أموال أمريكية لتطوير المناطق المتخلفة بخلاف الأموال التي اعتمدت لمشروع الرئيس إيزنهاور و لقد أكد نيكسون وجود مثل هذه الأموال لمشاريع المعونة الاقتصادية والفنية اللازمة لمد الطرق الرئيسية، خطوط السكك الحديدية ، مشروعات المياه الجوفية، وغيرها.
وبعد ذلك قامت الحكومة السودانية بتلاوة بيان تقول فيه بأنها تدرس المشروع دراسة كاملة مستوفاة، وأكدت فيه بأن الموضوع ليس له علاقة بسياسة نفوذ خارجية أو نقص لسيادة البلاد- يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق